وخلاصتها (كما جاءت في «الكلمة التاسعة»). فتكرار هذه الكلمات -وهي حقائق عظمى ثلاث في الصلاة وفي أذكارها- إنما هو لتقوية معنى الصلاة وتعميقه وترسيخه. وهي إجابة قاطعة للأسئلة التي تنشأ من التعجب واللذة والهيبة التي تأخذ بأقطار نفس الإنسان حينما يشاهد الكونَ ويرى ما يثيره ويحيره وما يسوقه إلى الشكران وما هو مدار العظمة والكبرياء من أمور عجيبة وجميلة وعظيمة ووفيرة وما هو فوق ما اعتاده.

نعم، إن الجندي يدخل إلى حضرة السلطان وديوانه في العيد بمثل دخول القائد العام إليه، بينما في سائر الأيام يعرف سلطانه من رتبة الضابط ومن مقامه -كما جاء في ختام «الكلمة السادسة والعشرون»- فكل شخص في الحج كذلك يبدأ بمعرفة مولاه الحق سبحانه وتعالى باسم «رب الأرض ورب العالمين» معرفةً أشبه ما يكون بمعرفة الأولياء الصالحين. فكلما تفتحت مراتب الكبرياء والعظمة الإلهية في حنايا قلبه أجاب ب «الله أكبر» ، لِما تستولي على روحه من أسئلة مكررة ملحة محيرة، ف «الله أكبر» هو الجواب القاطع لدابر أهم دسائس الشيطان، كما جاء في «اللمعة الثالثة عشرة».

نعم، فكما أن هذه الكلمة: «الله أكبر» تجيب عن سؤالنا حول الآخرة إجابةً قصيرة وقوية في ذات الوقت، فإن جملة «الحمد لله» هي الأخرى تذكّر بالحشر وتستدعيه. إذ تقول لنا: «لا يتم معناي دون الآخرة» لأن معناي يفيد: «كل حمد أو شكر يصدر من أي حامد ويقع على أي محمود كان، ابتداءً من الأزل إلى الأبد، هو خاص به سبحانه»، ولأن السعادة الأبدية هي أصل جميع النعم وذروتها، وهي التي تحيل النعم نعما حقيقية لا تزول ولا تحول، وهي التي تنقذ جميع ذوي الشعور من مصائب العدم وتخلصهم منها، لذا فهي وحدها يمكن أن تقابل معناي الكلي.

نعم، إن ترديد كل مؤمن يوميا عقب الصلاة بما يأمر به الشرع بأكثر من مائة وخمسين مرة «الحمد لله» في الأقل، والتي تفيد حمدا وثناءً وشكرا واسعا جدا ممتدا من الأزل إلى الأبد إنما هو ثمن يدفعه مقدما لنيل السعادة الأبدية في الجنة، إذ لا يمكن أن يحصر معنى الحمد على نِعم الدنيا القصيرة الفانية المنغصة بالآلام ولا يمكن أن يكون مقتصرا عليها. بل حتى لو تأملتَ في تلك النعم نفسها تراها ما هي إلّا وسائل لنعم أبدية خالدة تستحق الشكر عليها.


Yükleniyor...