الإشارة إليها أو إبراز جوز الهند أو بيانه لمكانه. أما النافي الذي ينكر وجوده فإنه لا يستطيع أن يثبت دعواه إلّا إذا جاس وجال في أنحاء العالم كله وتحرّى دعواه في الأمكنة كلها. وهكذا الذي يخبر عن الجنة ودار السعادة والخلود فإنه يثبتها ويكسب القضية بمجرد إظهاره أثرا من آثار الجنة، أو أمارةً من أماراتها، أو ظلا من ظلالها كشفا؛ في حين لا يستطيع من ينفي وجودها وينكرها أن يجد لإنكاره مجالا -مَهْما كدّ- إلّا إذا شاهد وأشهد الآخرين جميعَ الأكوان وجميع الأزمان من الأزل إلى الأبد، وأظهر عدم وجودها وأثبت نفيها!! فلأجل هذه الحكمة ارتضى العلماء المحققون على قاعدة أساس هي: «لا يمكن إثبات النفي غير المحدّد مكانُه -كالحقائق الإيمانية الشاملة للكون قاطبة- ما لم يكن الأمر محالا بذاته».

فبناءً على هذه الحقيقة القاطعة لا ينبغي أن يجلب إنكارُ آلاف الفلاسفة ومعارضتهم أيةَ شبهة ولا وسوسة أمام مخبر صادق في مثل هذه المسائل الإيمانية.. فيا حماقةَ من يتلوث بشبهة -مهما كانت- في أركان الإيمان بمجرد إنكارِ قلة من فلاسفة ماديين تحدّرت عقولُهم إلى عيونهم فلا يرون إلّا المادة بل ماتت قلوبُهم فلا يشعرون بالمعنويات، بينما اتفق على تلك الأركان مائة وعشرون ألفا من المثبتين أولي الاختصاص من الأنبياء الصادقين عليهم السلام وممن لا يحصَون ولا يُعدّون من المثبتين والمختصين من أهل الحقيقة الأولياء وأصحاب التحقيق العلماء.

ثم إننا نشاهد سواء في أنفسنا أو فيما حولنا رحمةً عامة وحكمة شاملة وعناية دائمة ناشرة نورَها كالنهار، ونرى كذلك آثارَ ربوبيةٍ مهيبة وأنوارَ عدالةٍ بصيرة، وتجلياتِ إجراءات جليلة عزيزة، بل نرى «حكمة» تقلد الشجرة حِكَما بعدد أزهارها وأثمارها، ونرى «رحمة» تقيم على كل إنسان إحسانا وعطايا بعدد حواسه وقواه وأجهزته. ونرى «عدالة» ذات عزة تُهلك بسوط عذابها أقواما عصاة أمثال قوم نوح وهود وصالح وقوم عاد وثمود وفرعون، وهي ذات عناية كذلك تحافظ على حقوقِ أصغرِ مخلوق وأضعفه. فالآية الكريمة الآتية تبين بإيجازٍ معجزٍ عظمةَ تلك الربوبية الجليلة وهيبتها المطلقة:

﹛﴿ وَمِنْ اٰيَاتِه۪ٓ اَنْ تَقُومَ السَّمَٓاءُ وَالْاَرْضُ بِاَمْرِهِ ثُمَّ اِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْاَرْضِ اِذَٓا اَنْتُمْ تَخْرُجُونَ ﴾|﹜ (الروم:٢٥).


Yükleniyor...