فمثلا: كما أن قوة خارقة لدى شروعها بفعالية ما، تستولي على الجهات كلها، وتشتت القوى الأخرى. كذلك كلُ فعل من أفعال الربوبية وكلُ تجلٍّ من تجليات الأسماء الإلهية، تُظهر قوتَها الخارقة جدا في آثارها بحيث لو لم تكن حكمةٌ عامة وعدالةٌ مطلقة ولم توقِفها عن حدّها لكان كلٌ من تلك القوى يستولي على الموجودات قاطبة. فالقوة التي تخلق شجرة الحَور في الأرض عموما وتدبّر أمورَها، لا تدع قطعا هذه القوةُ الكليةُ أفراداً جزئية لأشجار الجوز والتفاح والمشمش المنتشرة بين أشجار الحَور والملاصقة لها، إلى قوى أخرى غيرها. ولا يمكن إلّا وتستولي عليها أيضا وتضمها بين تدبيرها للأمور.

نعم، إن مثل هذه القوة والقدرة المصرِّفة للأمور تُستَشعر في كل نوع من المخلوقات، بل في كل فرد من الأفراد، وتشاهَد أنها تتمكن من أن تستولي على الكائنات كلها وعلى الأشياء كلها، وتهيمن على الموجودات قاطبة.

فلاشك أن قوةً كهذه لا تقبل الاشتراك قطعا ولا تسمح بالشرك في أية جهة كانت.

وكذا إن أكثر ما يوليه صاحبُ شجرة مثمرة من اهتمام وأكثرَ ما يظهره من علاقة بها هو ثمراتُها المتدلية في نهايات أغصانها، ونواها الغائرة في قلب تلك الثمرات بل هي قلوبُها بالذات. ولا شك أنه لا يخل بمالكيته عبثا -إن كان راشدا- بتمليك تلك الثمرات المتدلية من الأغصان إلى الآخرين تمليكا دائميا.

كذلك الأمر في الشجرة المسماة بالكون، التي تمثل العناصرُ أغصانَها، وما في نهايات تلك العناصر من أوراق وأزاهير تمثل النباتات والحيوانات، وما في قمم تلك الأغصان وفي ذروة تلك الأوراق والأزاهير من ثمرات تمثل الإنسانَ. فإنّ أجلَّ نتائج سعي تلك الثمرات البديعة ونتيجة خلقته هي العبوديةُ لله وتقديم الشكر والحمد له وحده، ولاسيما ما ينطلق من النوى الجامعة لتلك الثمرات، تلك هي قلوب البشر وقواهم الحافظة المسماة بظهر القلب (6) ..لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يَدَعها سبحانه لاغتصاب الأغيار فيهوّن من شأن عظمة ربوبيته وعزتها مخلا به معبوديته. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

Yükleniyor...