وقوانينَ الملك القدوس، مما يدل دلالة عميقة بالبداهة على وجود الحاكمية الواحدة المطلقة، والآمرية الواحدة الكلية.

فمادامت الحاكمية الواحدة المطلقة حقيقةً كائنة، وهي موجودة، فلابد أن الشرك لا حقيقة له. ذلك لأن الحقيقة الجازمة التي تصرح بها الآية الكريمة: ﹛﴿ لَوْ كَانَ ف۪يهِمَٓا اٰلِهَةٌ اِلَّا اللّٰهُ لَفَسَدَتَا ﴾|﹜ (الأنبياء:٢٢) تفيد بأنه لو تدخلت أيدٍ متعددة في مسألة معينة وكان لها النفوذ، لاختلطت المسألة نفسها؛ فلو كان في مملكة مّا حاكمان، أو حتى لو كان في ناحية ما مسؤولان، فإن النظام يفسد ويختل وتتحول الإدارة إلى هرج ومرج. والحال أن هناك نظاما رائعا جدا، يسري ابتداء من جناح البعوضة إلى قناديل السماء، ومن الخلايا الجسمية إلى أبراج الكواكب والسيارات، مما لا يمكن أن يكون للشرك فيه أيّ تدخل ولو كان بمقدار ذرة. وكذا الحاكمية نفسُها إنما هي مقام للعزة، فلن يقبل هذا المقامُ منافسا وخصيما، لما فيه من تجاوز لهيبته وكسرٍ لعزته.

نعم، إن إقدام الإنسان المحتاج دوما إلى من يعاونه -لضعفه وعجزه- على قتل أخيه أو بنيه -ظلما- لأجل حاكمية ظاهرية مؤقتة جزئية؛ يدل على أن الحاكمية لا تَقبل المنافسة أبدا. فلئن كان الإنسان -وهو العاجز- يُقْدم على مثل هذا الفعل لأجل حاكمية جزئية، فلا يمكن بحال من الأحوال أن يَرضى مَن هو القديرُ المطلق الذي يملك الكون كله تدخلا أو شركا من أحد في حاكميته الذاتية المقدسة التي هي محور ربوبيته المطلقة وألوهيته الحقيقية الكلية.

ونظرا لإثبات هذه الحقيقة المشعة بدلائل قوية في «المقام الثاني من الشعاع الثاني» وفي مواضع عدة من رسائل النور فإننا نحيل إليها.

وهكذا فإن صاحبنا المسافر بعد أن شهد هذه الحقائق الأربع تحققت لديه وحدانية الله سبحانه بدرجة الشهود، فنما إيمانه وارتقى وبدأ يردد بقوة: «لا إله إلّا الله وحده لا شريك له» .

وإشارة لما تلقاه من درس في هذا المنزل فقد ذُكر في المقام الأول من الباب الثاني:

[لا إلهَ إلّا الله الواحد الأحد الذي دل على وحدانيته ووجوب وجوده مشاهدةُ عظمةِ حقيقةِ تَبارُز الألوهية المطلقة، وكذا مشاهدةُ عظمة إحاطة حقيقة تظاهُر الربوبية المطلقة المقتضية للوحدة. وكذا مشاهدة عظمة إحاطة حقيقة الكمالات الناشئة من الوحدة وكذا مشاهدة عظمة إحاطة حقيقة الحاكمية المطلقة المانعة والمنافية للشركة] .

Yükleniyor...