فرأى السائح أن القلوب والعقول برازخ إنسانية بين عالمي الغيب والشهادة، فالعلاقات والعلامات بين ذينك العالَمين -بالنسبة للإنسان- تجري في تلك النقاط؛ لذا خاطب عقلَه وقلبه معا قائلا: «أقبلا، فإن أقصر الطرق الموصلة إلى الحقيقة هي من بابكما، فهيا لنستفد بمطالعتنا العقول والقلوب المتصفة بالإيمان ودراستنا كيفياتهما وألوانهما، فهذا درس لا يؤخذ من الألسنة كما هو الحال في الطرق الأخرى». فباشر يقلب صفحات العقول وينشر صفحات القلوب ممعنا النظرَ مطيلا الفكرَ، فرأى أن جميع العقول المستقيمة المنوّرة تتفق في العقيدة الراسخة الواضحة في الإيمان والتوحيد، وتتطابق في اليقين الجازم والاقتناع المطمئن، رغم التباين الواسع في استعداداتها والبعد والمخالفة بين مذاهبها. أي إنها استندت وارتبطت بعقيدة لا تتبدل، ودخلت في حقيقة عريقة لا تنفصم؛ لذا فإن إجماع هذه العقول في الإيمان والوجوب والتوحيد إنما هو سلسلة نورانية لا تنقطع، ونافذة واسعة وضّاءة مطلة على الحقيقة.

ورأى كذلك أن جميع القلوب السليمة النورانية تتوافق فيما بينها في كشفياتها ومشاهداتها -التي هي ذات اتفاق واطمئنان وانجذاب- في أركان الإيمان، وتتطابق في التوحيد رغم تباعد مسالكها وتباين مشاربها. أي إن كل قلب من هذه القلوب النورانية عرش صغير جدا تستوي عليه المعرفةُ الربانية، وهي مرآة جامعة لأنوار التجليات الصمدانية، بما يقابل الحقيقة ويوصل إليها ويتمثل بها. فهي إذن نوافذ مفتوحة تجاه شمس الحقيقة. أي إن مجموع هذه القلوب يشكل معا مرآةً عظمى واسعة كالبحر أمام تلك الشمس.

وأن اتفاق هذه القلوب والعقول وإجماعَها في وجوب وجوده سبحانه، وفي وحدانيته لهو دليل أكمل ومرشد أكبر لا يتحير ولا يحيّر؛ إذ ليس هناك إمكان قط ولا احتمال قطعا -في أية جهة كانت- أن يَخدع وهمٌ لا حقيقة له وفكرٌ لا يمتّ إلى الحقيقة بصلة وصفةٌ لا أصل لها جميعَ هذه العيون البصيرة النافذة الحادة لهذه الكثرة الكاثرة من ذوي القلوب الصافية والعقول الرزينة، وأنْ يستمر هذا الخداع عبر قرون وبرسوخ تام، أو أن يوقعهم جميعا في شباك التمويه والغفلة. فهل هناك من يجد احتمالا كهذا غير من يحمل عقلا فاسدا عفنا؟ بل حتى السوفسطائيون الحمقى الذين ينكرون الكون يردّونه ولا يرضون به!

هكذا فهم السائح، فقال منسجما مع عقله وقلبه: «آمنت بالله» .

Yükleniyor...