إن تأويلا لهذه الروايات المتباينة -والله أعلم بالصواب- هو: أنَّ للمهدي الكبير مهماتٍ كثيرةً ووظائفَ عدة، فكما أن له إجراءات في عوالمَ ودوائر كثيرة كعالَم السياسة وعالم الدين وعالم السلطنة وعالم الجهاد، كذلك يحتاج أهلُ كل عصر عندما يُخيِّم عليهم اليأسُ إلى مَن هو كالمهدي ليشدّ من قواهم المعنوية، أو يحتاجون إلى ترقّبِ مجيء المهدي وظهوره لإمدادهم في ذلك الوقت. لذا ظهر من آل البيت من هو كالمهدي في كل دور بل في كل عصر برحمة من الله سبحانه، فحافَظ على شريعة جدّه الأمجد، وإحياءِ سنته المطهرة. فمثلا: ظهر المهدي العباسي في عالم السياسة والدولة، وظهر الشيخ الكيلاني(∗) والشاه النقشبند(∗) والأقطاب الأربعة والأئمة الاثنا عشر وأمثالُهم من الأفذاذ في عالم الدين والإيمان، فنفّذوا قسما من مهمات المهدي ووظائفه. فلظهور هؤلاء وقيامِهم بقسم من أعمال المهدي -التي تتوجه إلى إحياء الشريعة وسنة الرسول ﷺ- وكونِهم مدارَ نظر الرسول محمد ﷺ اختلفت الروايات الواردة بحق المهدي، فحدا بقسم من أهل الحقيقة إلى أن يقولوا: أنه ظهر في الماضي.

وعلى كل حال فقد وضّحت رسائلُ النور هذه المسألة، فنحيل إليها إلّا أننا نقول: إنه ليس في الدنيا قاطبة عُصبة متساندة نبيلة شريفة تَرْقى إلى شرف آل البيت ومنزلتهم، وليس فيها قبيلة متوافقة ترقى إلى اتفاق قبيلة آل البيت، وليس فيها مجتمع أو جماعة منورة أنورَ من مجتمع آل البيت وجماعتهم.

نعم، إن آل البيت الذين غُذوا بروح الحقيقة القرآنية وارتضعوا من منبعها، وتنوروا بنور الإيمان وشرف الإسلام فعرجوا إلى الكمالات، وأنجبوا مئات الأبطال الأفذاذ وقدموا ألوف القوّاد المعنويين لقيادة الأمة.. لابد أنهم يُظهرون للدنيا العدالةَ التامة لقائدهم الأعظم المهدي الأكبر، وحقانيته بإحياء الشريعة المحمدية والحقيقة الفرقانية والسنة الأحمدية وإعلانها وتطبيقها وإجرائها.

وهذا الأمر في غاية المعقولية فضلا عن أنه في غاية اللزوم والضرورة، بل هو مقتضى دساتير الحياة الاجتماعية الإنسانية.


Yükleniyor...