القرآن يحمي نفسه بنفسه وينفذ حكمه (31)

رأيت شخصا قد ابتلي باليأس، وأصيب بالتشاؤم. يقول: لقد قلّ العلماء في هذه الأيام، وغلبت الكميةُ النوعيةَ، نخشى أن ينطفئ ديننا في يوم من الأيام.

قلت: كما لا يمكن إطفاء نور الكون ولا يمكن إطفاء إيماننا الإسلامي، كذلك سيسطع الإسلام في كل آن إن لم تطفأ منارات الدين، معابد الله، معالم الشرع، تلك هي شعائر الإسلام، الأوتاد الراسخة في الأرض.

فلقد أضحى كل معبد من معابد الله معلّما بطبعه يعلّم الطبائع. وصار كلُ مَعْلَمٍ من معالم الشرع أستاذا، يلقن الدين بلسان حاله. من دون خطأ ولا نسيان، وأصبحت كل شَعيرة من شعائر الإسلام، عالما حكيما بذاته، يدرّس روح الإسلام ويبسطه أمام الأنظار بمرور العصور.

حتى كأن روح الإسلام قد تجسم في شعائره. وكأن زلال الإسلام قد تصلب في معابده، عمودا ساندا للإيمان، وكأن أحكام الإسلام قد تجسدت في معالمه. وكأن أركان الإسلام قد تحجرت في عوالمه، كل ركن عمود من الألماس يربط الأرض بالسماء. ولا سيما هذا القرآن العظيم، الخطيب المعجز البيان، يلقي خطابا أزليا في أقطار عالم الإسلام.. لم تبقَ ناحية ولا زاوية إلّا واستمعت له واهتدت بهديه. حتى صار حفظُه مرتبة جليلة يسري فيها سر الآية الكريمة: ﹛﴿ .. وَاِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾|﹜ (الحجر:٩) وغدت تلاوته عبادة الإنس والجان.

فيه تعليم، فيه تذكير بالمسلّمات. إذ النظريات تنقلب إلى مسلّمات بمرور الأزمان، ثم إلى بديهيات حتى لا تدع حاجة إلى بيان.

فقد خرجت الضروريات الدينية من طور النظريات. فالتذكير بها إذن كافٍ والتنبيه وافٍ، والقرآن شافٍ في كل وقتٍ وآن، إذ فيه التنبيه والتذكير.

ويقظة المسلمين وصحوتهم الاجتماعية تسلّم لكل فرد ما يخص العموم من الدلائل، وتضع لهم الميزان.


Yükleniyor...