أو تصنع أو رياء -مهما كان نوعه- فجاء أسلوبُه مستساغا لدى العوام الذين هم أكثرية المخاطبين ملاطفا بساطة أذهانهم بتنـزلاته الكلامية القريبة من أفهامهم.. باسطا أمامهم صحائف ظاهرة ظهورا بديهيا كالسماوات والأرض.. موجها الأنظار إلى معجزات القدرة الإلهية وسطور حكمته البالغة المضمرتين تحت العاديات من الأمور والأشياء.

ثم إنّ القرآن الكريم يظهر نوعا من إعجازه البديع أيضا في «تكراره البليغ» لجملة واحدة، أو لقصة واحدة، وذلك عند إرشاده طبقات متباينة من المخاطبين إلى معان عدة وعِبَر كثيرة في تلك الآية أو القصة، فاقتضى التكرار حيث إنه كتاب دعاء ودعوة كما أنه كتاب ذكر وتوحيد، وكل من هذا يقتضي التكرار، فكل ما كرر في القرآن الكريم إذن من آية أو قصة إنما تشتمل على معنى جديد وعبرة جديدة.

ويظهر إعجازه أيضا عند تناوله «حوادث جزئية» وقعت في حياة الصحابة الكرام أثناء نـزوله وإرسائه بناء الإسلام وقواعد الشريعة، فتراه يأخذ تلك الحوادث بنظر الاهتمام البالغ، مبينا بها أن أدق الأمور لأصغر الحوادث جزئيةً، إنما هي تحت نظر رحمته سبحانه، وضمن دائرة تدبيره وإرادته، فضلا عن أنه يُظهر بها سننا إلهية جارية في الكون ودساتير كلية شاملة. زد على ذلك أن تلك الحوادث -التي هي بمثابة النَّوَيّات عند تأسيس الإسلام والشريعة- ستثمر فيما يأتي من الأزمان ثمارا يانعة من الأحكام والفوائد.

إنّ تكرُّر الحاجة يستلزم التكرار، هذه قاعدة ثابتة، لذا فقد أجاب القرآن الكريم عن أسئلة مكررة كثيرة خلال عشرين سنة فأرشدَ بإجاباته المكررة طبقات كثيرة متباينة من المخاطبين؛ فهو يكرر جملا تملك ألوفَ النتائج، ويكرر إرشادات هي نتيجة لأدلة لا حد لها، وذلك عند ترسيخه في الأذهان وتقريره في القلوب ما سيحدث من انقلاب عظيم وتبدّل رهيب في العالم وما سيصيبه من دمار وتفتت الأجزاء، وما سيعقبه من بناء الآخرة الخالدة الرائعة بدلا من هذا العالم الفاني.

ثم إنه يكرر تلك الجمل والآيات أيضا عند إثباته أن جميع الجزئيات والكليات ابتداء من الذرات إلى النجوم إنما هي في قبضة واحد أحد سبحانه وضمن تصرفه جلّ شأنه.

ويكررها أيضا عند بيانه الغضب الإلهي والسخط الرباني على الإنسان المرتكب للمظالم

Yükleniyor...