يستقطب الأنظارَ إليها، وكأنها الدواء الناجع لأمراض المجتمع، لذا يسعى نحوها المفطورون على الخير والصلاح.

وهكذا، ففي عصر النبوة السعيد وخير القرون على الإطلاق، عُرضَت في سوق الحياة الاجتماعية أمور. فبديهي أن يسعى الصحابة الكرام نحو الصدق والخير والحق لما يملكون من فطر صافية وسجايا سامية، وبديهي كذلك أن ينفروا ويتجنّبوا كلَّ ماله نتائجُ وخيمة وشقاءُ الدنيا والآخرة كالكذب والشر والكفر، فالتفوا حول راية الرسول الكريم ﷺ وتجنبوا مهازل مسيلمة الكذاب الذي يمثل الكذب والشر والباطل.

بيد أنّ الأمور تغيرت تدريجيا وبمرور الزمن فلم تبق على حالها كما هي في قرون الخير، فتقلصت المسافةُ بين الكذب والصدق رويدا رويدا كلّما اقتربنا إلى عصورنا الحاضرة حتى أصبحا مترادفَين متكاتفين في العصر الحاضر، فصار الصدقُ والكذب يُعرضان معا في معرض واحد، ويصدران معا من مصدر واحد ففسدت الأخلاقُ الاجتماعية واختلت موازينُها. وزادت الدعايات السياسية إخفاءَ قبح الكذب المرعب وسترَ جمال الصدق الباهر.

فهل يقوى أحد على الجرأة في عصر كهذا ويدّعي: أستطيع أن أدنو من مرتبة أولئك الكرام العظام الذين بلغوا من اليقين والتقوى والعدالة والصدق وبذل النفس والنفيس في سبيل الحق ما لم يبلغه أحد، فضلا عن أن يسبقهم؟

سأورد حالة مرّت عليّ توضّح جانبا من هذه المسألة: لقد خطر على قلبي ذات يوم سؤال وهو: لِمَ لا يبلغ أشخاص أمثال محي الدين بن عربي مرتبةَ الصحابة الكرام؟ ثم لاحظتُ في أثناء قولي في سجودٍ في صلاة: «سبحان ربي الأعلى» أن شيئا من الحقائق الجليلة لمعاني هذه الكلمة الطيبة قد انكشف لي، لا أقول كلها، بل انكشف شيء منها. فقلت في قلبي: ليتني أحظى بصلاةٍ كاملة تنكشف لي من معانيها ما انكشف من معاني هذه الكلمة المباركة، فهي خير من عبادة سنةٍ كاملة من النوافل. ثم أدركتُ عقب الصلاة أن تلك الخاطرة وتلك الحال كانت جوابا على سؤالي، وإرشادا إلى استحالة إدراكِ أحدٍ من الناس درجةَ الصحابة الكرام في العبادة؛ ذلك أن التغيير الاجتماعي العظيم الذي أحدثه القرآنُ الكريم بأنواره الساطعة قد ميَّز الأضداد بعضَها عن البعض الآخر، فالشرورُ بجميع توابعها وظلماتها أصبحت في مجابهة

Yükleniyor...