أيها الغافل! تأمل في وجه الكائنات تجد أن صحيفة الموجودات ما هي إلّا بمثابة رسائلَ متداخلة بعضها في البعض الآخر، مبعوثةٍ من قبل الأحد الصمد. وأن كل رسالة منها قد خُتِمَتْ بما لا يُعدُّ من أختام التوحيد. تُرى مَن يجرؤ على تكذيب شهادات هذه الأختام غير المتناهية؟ أية قوة يمكنها أن تكتم أصوات هذه الشهادات الصادقة؟ وأنت إذا ما أنصتَّ بأذن القلب لأيٍ منها تسمعها تردد: أشْهَدُ أن لآ إلهَ إلَّا الله .

النافذة الثلاثون

﹛﴿ لَوْ كَانَ ف۪يهِمَٓا اٰلِهَةٌ اِلَّا اللّٰهُ لَفَسَدَتَا ﴾|﹜ (الأنبياء:٢٢)


﹛﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ اِلَّا وَجْهَهُۜ لَهُ الْحُكْمُ وَاِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾|﹜ (القصص:٨٨)


هذه نافذة يطل منها علماء الكلام الذين سلكوا في سبيل إثبات وجود الله سبحانه طريقا مدعما بأدلة «الإمكان» و«الحدوث». ونحن إذ نحيل تفاصيل تلك الأدلة إلى مظانها من أمهات كتب العلماء الأعلام كـ«شرح المواقف» و«شرح المقاصد» نذكر هنا شعاعات من فيض نور القرآن غمرت القلبَ، ونفذَتْ إليه من خلال هذه النافذة.

إنّ الآمِريَّةَ أو الحاكمية تقتضي رفضَ المنافسة، وردَّ المشاركة، ودفعَ المداخلة أيا كانت. ومن هنا نرى أنه إذا وجِد مختاران في قرية اختلَّ نظام القرية، واضطرب أمنُ الناس وراحتُهم، وإذا ما كان هناك مديران في ناحية، أو محافظان في محافظة واحدة، فإن الحابل يختلط بالنابل، وإذا ما وجد سلطانان في بلاد فإن الفوضى تضرب أطنابها في أركان البلاد كلها، ويسببان من القلاقل والاضطرابات ما لا يُحمد عقباها.

فلئن كان الإنسان الذي هو عاجز ومحتاج إلى معاونة الآخرين، والذي يحمل ظلا جزئيا ضعيفا من الآمرية أو الحاكمية، لا يقبل مداخلة أحدٍ من مثيله في شؤونه، ويردُّ المنافس رداًّ شديدا. نعم، لئن كان الإنسان العاجز هذا شأنه فكيف بآمرية القدير المطلق وحاكمية السلطان الأعظم ربّ العالمين.؟

قِسْ بنفسك كيف سيسود قانون ردّ المداخلة ويهيمن على الكون كله. أي إن الوحدة أو الانفراد من لوازم الألوهية، ومقتضى الربوبية، التي لا تنفك عنها. فإن رُمْتَ برهانا قاطعا على هذا، وشاهدا صادقا عليه، فدونك النظامَ الأكمل، والانسجام الأجمل المشاهدين في الكون.


Yükleniyor...