الصفاتُ القدسية والأسماء الحسنى أوضحَ من دلالةِ لمعان أشياءِ الأرض على الشمس؟ فكما أن الذي لا يعتقد بوجود الشمس، ويتجاهل صفاتِها المشاهَدة على الأشياء، لا شك أنه مضطر إلى إنكار النهار المليء بنور الشمس، كذلك الذي لا يعتقد بوجود ذلكم «الحي القيوم، المحيي والمميت» الذي يتجلى نورُهُ بشمس الأحدية على الوجود كله، فهو مضطر أيضا إلى إنكار وجود الأحياء التي تملأ الأرض، بل تملأ الماضي والمستقبل معا.. وعندها لا يرى لنفسه موقعا إلّا بين الأنعام أو أضلّ منها، فيكون بمستوى الجمادات.

النافذة الرابعة والعشرون

﹛﴿ لَٓا اِلٰهَ اِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ اِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَاِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾|﹜ (القصص:٨٨)


إن الموت كالحياة برهان ساطع للربوبية، وهو حجة في غاية القوة على الوحدانية، مثل الحياة، إذ بدلالة الآية الكريمة: ﹛﴿ اَلَّذ۪ي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيٰوةَ ﴾|﹜ (الملك:٢). إن الموت ليس عدما، ولا إعداما، ولا فناءً، ولا لعبةَ العبث، ولا انقراضا بالذات من غير فاعل، بل هو تسريح من العمل، من لدن فاعل حكيم، وهو استبدالُ مكان بمكان، وتبديلُ جسم بجسم، وانتهاء من وظيفة، وانطلاق من سجن الجسم، وخلق منتظم جديد وِفقَ الحكمة الإلهية. كما بيّنا في «المكتوب الأول».

نعم، كما أن الموجودات الحية المبثوثة في الأرض كافة، تشير بحياتها إلى الخالق الحكيم وإلى وحدانيته. فتلك الأحياء تشهد بموتها أيضا على سرمدية ذلك الحي الباقي، وتشير إلى وحدانيته جلَّ شأنه. وحيث إننا بحثنا في «الكلمة الثانية والعشرين» أنّ الموت برهان قاطع على الوحدانية، وحجة دامغة على السرمدية، لذا نحيل البحث إليها. إلّا أننا نبين هنا نكتة مهمة فقط وهي: أنّ الأحياء مثلما تدل بوجودها على الخالق الحي فإنها تَشهد بموتها على سرمدية الحي الباقي وعلى وحدانيته. ولنأخذ شاهدا على ذلك سطحَ الأرض، فإن النظام الرائع الباسط هيمنتَه على الأرض بأسرها والذي يبدو لنا من خلال مظاهره عيانا يشهد شهادة صادقة على الصانع القدير.

فعندما يسدل الشتاءُ كفنَه الثلجي الأبيض على وجه الأرض الربيعي، وتموت الأحياء

Yükleniyor...