الإشارة الثامنة:

أما محبتك للدنيا محبةً مشروعة، أي محبتك لها مع التأمل والتفكر في وجهَيها الجميلين اللذين هما: مزرعةُ الآخرة، ومرآةُ التجليات للأسماء الحسنى، فإن نتيجتها الأخروية هي أنه سيوهَب لك جنة تسع الدنيا كلَّها، ولكنها لا تزول مثلها، بل هي خالدة دائمة. وستُظهَر لك في مرايا تلك الجنة تجلياتُ الأسماء الحسنى بأزهى شعشعتها وبهائها، تلك التي رأيت بعض ظلالها الضعيفة في الدنيا.

ثم إن محبة الدنيا في وجهها الذي هو مزرعة للآخرة، أي باعتبار كون الدنيا مشتلا صغيرا جدا لاستنبات البذور لتتسنبل في الآخرة وتثمر هناك، فإن نتيجتها هي أثمارُ جنة واسعة تسع الدنيا كلها، تنكشف فيها جميعُ الحواس والمشاعر الإنسانية التي يحملها الإنسان في الدنيا كبُذيرات صغيرة، انكشافا تاما ونموا كاملا، وتتسنبل فيها بُذيرات الاستعدادات الفطرية حاملةً جميع أنواع اللذائذ والكمالات.. هذه النتيجة ثابتة بمقتضى رحمة الله الواسعة وحكمته المطلقة. وهي ثابتة كذلك بنص الحديث (20) الشريف وإشارات القرآن الكريم.

ولما كانت محبتُك للدنيا ليست لذلك الوجه المذموم الذي هو رأسُ كل خطيئة، وإنما هي محبة متوجهة إلى وجهَيها الآخرين أي إلى الأسماء الحسنى والآخرة، وقد عقدتَ لأجلهما أواصر المحبة معها وعمّرت ذينك الوجهَين على نية العبادة، حتى كأنك قمت بالعبادة بدنياك كلِّها.. فلابد أن الثواب الحاصل من هذه المحبة يكون ثوابا أوسع من الدنيا كلها، وهذا هو مقتضى الرحمة الإلهية وحكمتها.

ثم لأن تلك المحبة قد حصلت بمحبة الآخرة وكونها مزرعة لها، وبمحبة الله سبحانه، وكونها مرآة لإظهار أسمائه الحسنى.. فلاشك أنها تقابل بمحبوب أوسع من الدنيا كلها، وما هو إلّا الجنة التي عرضها السماوات والأرض.

سؤال: ما فائدة الجنة الواسعة سعة الدنيا؟

الجواب: لو كان من الممكن أن تتجول بسرعة الخيال في أقطار الأرض كلها، وتزور


Yükleniyor...