انظر! كيف يدعو الله حاجةً عامةً كحاجة البقاء والخلود!. هذه الدعوة التي لا يشترك فيها معه أهلُ الأرض وحدهم، بل أهلُ السماوات أيضا، لا بل الموجوداتُ كافة. فتقول بلسان الحال: «آمين اللّهم آمين استجب يا ربنا دعاءه، فنحن نتوسل بك ونتضرع إليك مثلَه».

ثم انظر! إنه يسأل تلك السعادة والخلود بكل رقة وحزن، وبكل حب وودّ، وبكل شوق وإلحاح، وبكل تضرع ورجاء، يُحزن الكونَ جميعا ويبكيه فيُسهمُه في الدعاء.

ثم انظر وتأمل! إنه يدعو طالبا السعادةَ لقصد عظيم، ولغاية سامية.. يطلبها ليُنقذ الإنسانَ والمخلوقات جميعا من التردي إلى هاوية أسفل سافلين وهو الفناء المطلق والضياع والعبث، ويرفعه إلى أعلى علّيين وهو الرفعة والبقاء وتقلّد الواجبات وتسلّم المسؤوليات، ليكون أهلا لها ويرقى إلى مرتبة مكاتيب صمدانية.

انظر! كيف أنه يطلب الاستعانة مستغيثا ببكاء، متضرعا راجيا من الأعماق، متوسلا بإلحاح.. حتى كأنه يُسمع الموجودات جميعا، بل السماوات، بل العرش، فيهزّهم وجدا وشوقا إلى دعائه ويجعلهم يرددون: آمين اللهم آمين. (15)

وانظر! إنه يسأل السعادة والبقاء الأبدي، ويرجوهما من قدير سميع كريم، ومن عليم بصير رحيم يرى ويسمع أخفى حاجةٍ لأضعفِ مخلوق فيتداركه برحمته، ويستجيب له، حتى إن كان دعاءً بلسان الحال.

Yükleniyor...