هذا الرب المجيب الرحيم أهمَّ حاجة لأعظم عباده (13) وأحبِّ خلقه إليه، ولا يسعفه بما يرجوه منه؟

فحُسن تربية صغار الحيوانات وضعافها، وإعاشتُها بسهولة ولطف ظاهريين ترياننا أن مالك هذه الكائنات يسيّرها بربوبية لا حدّ لرحمتها. فهل يعقل لهذه الربوبية المتصفة بكمال الشفقة والرأفة ألّا تستجيب لأجمل دعاء لأفضل مخلوق؟..

وكما بينتُ هذه الحقيقة في «الكلمة التاسعة عشرة» أعيد بيانها هنا:

فيا صديقي الذي يسمعني مع نفسي! لقد ذكرنا في الحكاية: أن هناك اجتماعا في جزيرة، وأن مبعوثا كريما يرتجل خطبة هناك، فحقيقة ما أشارت إليه الحكاية هي ما يأتي:

تعال لنتجرد من قيود الزمان، ولنذهب بأفكارنا إلى عصر النبوة، وبخيالنا إلى تلك الجزيرة العربية كي نحظى بزيارته ﷺ، وهو يزاول وظيفته بكامل عبوديته. انظر! كيف أنه سبب السعادة بما أتى به من رسالة وهداية، فإنه ﷺ هو الداعي لإيجاد تلك السعادة وخلقِ الجنة بدعائه وبعبوديته.

انظر إلى هذا النبي الكريم إلامَ يدعو.. إنه يدعو إلى السعادة الأبدية في صلاة كبرى شاملة، وفي عبادة رفيعة مستغرقة، حتى إن الجزيرة العربية، بل الأرض برمّتها، كأنها تصلي مع صلاته، وتبتهل إلى الله بابتهاله الجميل، ذلك لأن عبوديته ﷺ تتضمن عبودية جميع أمته الذين اتبعوه، كما تتضمن -بسر الموافقة في الأصول- سرّ العبودية لجميع الأنبياء عليهم السلام. فهو يؤمّ صلاة كبرى -أيّما صلاة- ويتضرع بدعاء -ويا له من تضـرع رقيق- في خلق عظيم، كأن الـذين تنوروا بنور الإيمان -من لدن آدم عليه السلام إلى الآن وإلى يوم القيامة- اقتدوا به، وأمّنوا على دعائه. (14)


Yükleniyor...