نعم، إنه يستجيب له ببصيرة ورحمة ويغيثه بحكمة، مما ينفي أية شبهةٍ بأن تلك الرعاية الفائقة ليست إلّا من لدن سميع بصير، وأن ذلك التدبير الدقيق ليس إلّا من عند كريم رحيم.

نعم، إن الذي يقود جميعَ بنى آدم على هذه الأرض متوجها إلى العرش الأعظم، رافعا يديه، داعيا بدعاء شامل بحقيقة العبودية الأحمدية التي هي خلاصة عبودية البشرية.. تُرى ماذا يريد؟ ماذا يريد شرفُ الإنسانية، وفخرُ الكائنات، وفريدُ الأزمان والأكوان؟!. لننصت إليه.. إنه يسأل السعادة الأبدية لنفسه ولأمته، إنه يسأل الخلود في دار البقاء، إنه يسأل الجنة ونعيمها.. نعم، يسألها ويرجوها مع تلك الأسماء الإلهية المتجلية بجمالها في مرآة الموجودات.. إنه يستشفع بتلك الأسماء الحسنى كما ترى.

أرأيت إن لم يكن شيء من أسباب موجبة لا تعد ولا تحصى للآخرة ولا شيء من دلائل وجودها، أليس دعاء واحد من هذا النبي الكريم ﷺ سببا كافيا لإيجاد الجنة (16) التي هي سهلة على قدرة خالقنا الرحيم، كسهولة إعادة الحياة إلى الأرض في أيام الربيع؟.

نعم، إن الذي جعل سطح الأرض في الربيع مثالا للحشر، فأوجد فيه مائة نموذج من نماذجه بقدرته المطلقة، كيف يصعب عليه إيجادُ الجنة؟.. إذن فكما كانت رسالتُه ﷺ سببا لإيجاد دار الامتحان هذه، وصارت بيانا وإيضاحا لسر «لَوْلَاك لَوْلَاكَ لَمَا خَلَقْتُ الأفْلَاكَ» (17) فإن عبوديته كذلك أصبحت سببا لخلق تلك الدار السعيدة الأبدية.

فهل من الممكن يا ترى لانتظام العالم البديع الذي حيّر العقولَ والصنعةِ المتقنة وجمالِ الربوبية الشاملة في إطار رحمته الواسعة، أن يقبل قبحا فظيعا وظلما شنيعا وفوضى ضاربةً أطنابها، بعدم استجابة ذلك الدعاء أي أن لا يراعي ولا يسمع ولا ينجز أكثر الرغبات أهمية، وأشدها ضرورة في حين أنه يراعي باهتمام بالغ أبسط الرغبات وأصغرها، ويسمع أخفتَ الأصوات وأدقَّها ويقضي لكل ذي حاجة حاجته! كلا ثم كلا ألف ألف مرة، إن مثلَ هذا


Yükleniyor...