نعم، إنّ « أنا » بذرة، نشأت منها شجرةُ طُوبى نورانية عظيمة، وشجرةُ زقوم رهيبة، تمدّان أغصانَهما وتنشران فروعَهما في أرجاء عالم الإنسان من لدن آدم عليه السلام إلى الوقت الحاضر.

وقبل أن نخوض في هذه الحقيقة الواسعة نبيّن بين يديها «مقدمة» تيسِّر فهمَها.

المقدمة

إنّ « أنا » مفتاح يفتح الكنوز المخفية للأسماء الإلهية الحسنى، كما يفتح مغاليقَ الكون. فهو بحدّ ذاته طلسم عجيب، ومعمىً غريب. ولكن بمعرفة ماهية « أنا » ينحَلّ ذلك الطلسم العجيب وينكشف ذلك المعمى الغريب، وينفتح بدوره لغزُ الكون، وكنوزُ عالم الوجوب.

وقد ذكرنا ما يخصّ هذه المسألة في رسالة «شمة من نسيم هداية القرآن» كالأتي:

«اعلم أنّ مفتاح العالَم بيد الإنسان، وفي نفسه. فالكائناتُ مع أنها مفتّحةُ الأبواب ظاهرا، إلاّ أنها منغلقة حقيقةً. فالحقُّ سبحانه وتعالى أودَع من جهة الأمانة في الإنسان مفتاحا يفتح كلَّ أبواب العالم، وطلسما يفتح به الكنوزَ المخفية لخلّاق الكون، والمفتاح هو، ما فيك من « أنا ». إلاّ أن « أنا » أيضا معمىً مغلق وطلسم منغلق. فإذا فتحتَ « أنا » بمعرفة ماهيتِه الموهومة وسرِ خلقته، انفتح لك طلسمُ الكائنات كالآتي»:

إن الله جلّ جلالُه وضعَ بيد الإنسان أمانةً هي: « أنا » الذي ينطوي على إشارات ونماذجَ يستدلّ بها على حقائقِ أوصافِ ربوبيته الجليلة وشؤونِها المقدسة. أي يكون « أنا » وحدةً قياسيةً تُعرَف بها أوصافُ الربوبية وشؤونُ الألوهية.

ومن المعلوم أنه لا يلزم أن يكون للوحدة القياسية وجود حقيقي، بل يمكن أن تركَّب وحدة قياسية بالفرض والخيال، كالخطوطِ الافتراضية في علم الهندسة. أي لا يلزم لـ« أنا » أن يكون له وجود حقيقي بالعلم والتحقيق.

سؤال: لِمَ ارتبطتْ معرفةُ صفات الله جلّ جلاله وأسمائه الحسنى «بأنانية» (1) الإنسان؟

الجواب: إنّ الشيء المطلق والمحيط، لا يكون له حدود ولانهاية؛ فلا يُعطى له شكل ولا يُحكَم عليه بحُكم، وذلك لعدم وجودِ وجه تعيّنٍ وصورةٍ له؛ لذا لا تُفهم حقيقةُ ماهيته.


Yükleniyor...