الأساس الثالث

إنّ مسألة ثبوت الملائكة والعالَم الروحاني من المسائل التي تنطبق عليها القاعدة المنطقية: « يُدرَك تحقق الكلّ بثبوت جزء واحد». أي إنه برؤية شخصٍ واحد للملائكة يُعرَف وجود النوع عامةً؛ لأن الذي ينكر الواحد ينكر الكلّ قاطبةً. فإذا ما قَبِل فردا واحدا من ذلك النوع، فعليه أن يقبل النوعَ جميعا، إذن تأمّل:

ألَا ترى وتسمع بأنّ جميعَ أهل الأديان، في جميع العصور، منذ زمن سيدنا آدم عليه السلام إلى يومنا هذا، قد اتفقوا على وجود الملائكة وثبوت العالم الروحاني، وأن طوائف من البشر قد أجمعوا على إمكان محادثة الملائكة ومشاهدَتهم والرواية عنهم مثلما يتحاورون ويشاهدون ويروون الروايات فيما بينهم. فيا تُرى هل يمكن أن يحصل مثلُ هذا الإجماع، ويدومَ هذا الاتفاق، بهذا الشكل المتواتر المستمر في أمر وجوديّ، إيجابي، مستند إلى الشهود، إن لم يكن قد شوهد أحد من الملائكة عيانا وبداهةً؟ أو لم يُعرف وجودُ شخص أو أشخاص منهم بصورة قاطعة بالمشاهدة؟ أو لم يُشعر بوجودهم بالبداهة والمشاهدة؟. وهل من الممكن ألّا يكون منشأ هذا الاعتقاد العام مبادئَ ضروريةً وأمورا بديهية؟ وهل من الممكن أن يستمر ويبقى وَهْم لا حقيقةَ له في جميع العقائد الإنسانية وفي خضم التقلبات البشرية؟. وهل من الممكن أن الإجماع العظيم لأهل الأديان هذا، لا يستند إلى حدسٍ قطعي وعلى يقين شهودي؟. وهل من الممكن أنّ هذا الحدسَ القطعي واليقينَ الشهودي لا يستندان إلى ما لا يعدّ ولا يحصى من الأمارات والعلامات؟ وأن هذه الأمارات لا تستند على مشاهدات واقعية؟ وأن هذه المشاهدات الواقعية لا تستند إلى مبادئ ضرورية لا شك فيها ولا شبهة؟

ولما كان الأمر كذلك، فإن أسس ومستندات الاعتقادات العامة في أهل الأديان هي مبادئ ضرورية، نتجت بالتواتر المعنوي النابع من رؤية الروحانيات ومشاهدة الملائكة مرارا وتكرارا، فهي أسس قطعية الثبوت.

وهل من الممكن أو المعقول أن تدخل الشبهةُ في وجود الملائكة وعالَم الروح ومشاهدتهم الذي أخبر عنه وشهدَ به الأنبياءُ والأولياءُ، شهودا متواترا وبقوة الإجماع الضمني. وهم شموسُ الحياة الاجتماعية البشرية ونجومُها وأقمارُها، وبخاصةٍ أنهم «أهلُ الاختصاص» في

Yükleniyor...