فهناك إذن ديار غير هذه الديار، فيها محكمة كبرى ، ودارُ عدالة عليا، ومقرُّ كرم عظيم، لتظهر فيها هذه الرحمةُ وهذه الحكمةُ وهذه العناية وهذه العدالة بوضوح وجلاء.

الصورة الثانية عشرة

تعال فلنرجع الآن يا صاحبي، لنلتقي ضباطَ هذه الجماعات ورؤساءها، انظر إلى معدّاتهم.. أزُوّدوا بها لقضاء فترة قصيرة من الزمن في ميدان التدريب هذا، أم أنها وُهبَت لهم ليقضوا حياة سعيدة مديدة في مكان آخر؟ ولما كنا لا نستطيع لقاء كل واحد منهم، ولا نتمكن من الاطلاع على جميع لوازمهم وتجهيزاتهم، لذا نحاول الاطلاع على هوية وسجل أعمال واحد منهم كنموذج ومثال. ففي الهوية نجد رتبةَ الضابط، ومرتّبَه، ومهمته، وامتيازاته، ومجال أعماله، وكل ما يتعلق بأحواله.. لاحظ، أن هذه الرتبة ليست لأيام معدودة بل لمدة مديدة.. ولقد كُتب في هويته أنه يتسلّم مرتّبَه من الخزينة الخاصة بتاريخ كذا.. غير أن هذا التاريخ بعيد جدا، ولا يأتي إلّا بعد إنهاء مهام التدريب في هذا الميدان.. أما هذه الوظيفة فلا توافق هذا الميدان الموقت ولا تنسجم معه، بل هي للفوز بسعادة دائمة في مكان سامٍ عند الملك القدير.. أما الواجبات فهي كذلك لا يمكن أن تكون لقضاء أيام معدودة في دار الضيافة هذه، وإنما هي لحياة أخرى سعيدة أبدية.. يتضح من الهوية بجلاء، أن صاحبها مهيأ لمكان أخر، بل يسعى نحو عالم آخر.

انظر إلى هذه السجلات التي حُدّدت فيها كيفيةُ استعمال المعدّات والمسؤوليات المترتبة عليها، فإن لم تكن هناك منـزلة رفيعة خالدة غير هذا الميدان، فلا معنى لهذه الهوية المتقنة، ولا لهذا السجل المنتظم، ولسقط الضابطُ المحترم والقائد المكرم والرئيس الموقر إلى درك هابط ولقي الشقاء والذلة والمهانة والنكبة والضعف والفقر.. وقس على هذا، فأينما أنعمتَ النظر متأملا قادك النظرُ والتدبر إلى أن هناك بقاء بعد هذا الفناء...

فيا صديقي! إن هذه المملكة المؤقتة ما هي إلّا بمثابة مزرعة، وميدان تعليم، وسُوق تجاري، فلابد أن تأتي بعدها محكمة كبرى وسعادة عظمى. فإذا أنكرتَ هذا، فسوف تضطر إلى إنكار كل الهويات والسجلات التي يمتلكها الضابط، وكل تلك العُدد والأعتدة والتعليمات، بل تضطر إلى إنكار جميع الأنظمة في هذه المملكة، بل إنكار وجود الدولة نفسها، وينبغي عند

Yükleniyor...