ليست مقصودة لذاتها، بل هي أمثلة ونماذج للعرض هنا. فالسلطان يُنهي أعماله على وجه الإعجاز، كي تؤخذ صورُها، وتُحفظ نتائجُها وتُسجل كما تُسجل وتُحفظ كل ما في ميدان المناورات العسكرية. فالأمور والمعاملات إذن ستجري في الاجتماع الأكبر وتستمر وفق ما كانت هنا. وستعرض تلك الأمور عرضا مستمرا في المشهد الأعظم والمعرض الأكبر. أي إن هذه الأوضاع الزائلة تنتج ثمارا باقية وتولّد صورا خالدة هناك. فالمقصود من هذه الاحتفالات إذن هو بلوغ سعادة عظمى، ومحكمة كبرى، وغايات سامية مستورة عنا.

الصورة الحادية عشرة

تعال أيها الصديق المعاند، لنركب طائرة أو قطارا، لنذهب إلى الشرق أو إلى الغرب -أي إلى الماضي أو إلى المستقبل- لنشاهد ما أظهره السلطان من معجزات متنوعة في سائر الأماكن. فما رأيناه هنا في المعرض، أو في الميدان، أو في القصر، من الأمور العجيبة له نماذج في كل مكان، إلّا أنه يختلف من حيث الشكل والتركيب. فيا صاحبي، أنعِم النظر في هذا، لترى مدى ظهور اِنتظام الحكمة، ومبلغَ وضوح إشارات العناية، ومقدارَ بروز أمارات العدالة، ودرجة ظهور ثمرات الرحمة الواسعة، في تلك القصور المتبدلة، وفي تلك الميادين الفانية، وفي تلك المعارض الزائلة. فَمَن لم يفقد بصيرته يفهم يقينا أنه لن تكون -بل لا يمكن تصور- حكمة أكملَ من حكمة ذلك السلطان ولا عناية أجملَ من عنايته، ولا رحمة أشمل من رحمته، ولا عدالة أجلّ من عدالته. ولكن لما كانت هذه المملكة -كما هو معلوم- قاصرةً عن إظهار حقائق هذه الحكمة والعناية والرحمة والعدالة، ولو لم تكن هناك في مقر مملكته -كما توهمت- قصور دائمة، وأماكن مرموقة ثابتة، ومساكن طيبة خالدة، ومواطنون مقيمون، ورعايا سعداء تحقق تلك الحكمة والعناية والرحمة والعدالة، يلزم عندئذٍ إنكارُ ما نبصره من حكمة، وإنكار ما نشاهده من عناية، وإنكار ما نراه من رحمة، وإنكار هذه الأمارات والإشارات للعدالة الظاهرة البينة... إنكار كل ذلك بحماقة فاضحة كحماقة من يرى ضوء الشمس وينكر الشمس نفسَها في رائعة النهار! ويلزم أيضا القول بأن القائم بما نراه من إجراءات تتسم بالحكمة وأفعالٍ ذات غايات كريمة وحسنات ملؤها الرحمة إنما يلهو ويعبث ويغدر -حاشاه ثم حاشاه- وما هذا إلّا قلبُ الحقائق إلى أضدادها، وهو المحال باتفاق جميع ذوي العقول غير السوفسطائي الأبله الذي يُنكِر وجودَ الأشياء، حتى وجودَ نفسه.

Yükleniyor...