لأن الله سبحانه وتعالى هو أقربُ إلينا من حبل الوريد، أما نحن فبعيدون عنه بُعدا مطلقا. والإنسان يمكنه أن ينال القربَ منه بالصورتين الآتيتين:

الصورة الأولى: من حيث انكشاف أقربيته سبحانه وتعالى للعبد. فقربُ النبوة إليه تعالى هو من هذا الانكشاف. والصحابة الكرام من حيث إنهم ورثةُ النبوة والصحبة النبوية يحظَون بهذا الانكشاف.

الصورة الثانية: من حيث بُعدنا عنه سبحانه، فالتشرف بشيء من قُربه سبحانه يكون بقطع المراتب إليه. وأغلبُ طرق الولاية، وما فيها من سيرٍ وسلوك تجري على هذه الصورة، سواء منها السيرُ الأنفسي أو الآفاقي.

فالصورة الأولى التي هي انكشافُ أقربيته سبحانه -أي قربُه سبحانه من العبد- هبة محضة منه تعالى وليس كسبا قط، بل هو انجذاب إلهي وجذب رحماني، ومحبوبية خالصة. فالطريق قصير، إلّا أنه ثابت رصين، وهو عال رفيع سام جدا، وخالص طاهر لا ظلَّ فيه ولا كدر.

أما الصورة الأخرى من التقرب إلى الله، فهي كسبية، طويلة، فيها شوائب وظلال، ورغم أن خوارقها كثيرة فإنها لا تبلغ الصورةَ الأولى من حيث الأهمية والقرب منه تعالى.

ولنوضح ذلك بمثال: لأجل إدراك أمس من هذا اليوم هناك طريقان:

الأول: الانسلاخ من وقائع الزمن وجريانه بقوة قدسية، والعروج إلى ما فوق الزمان، ورؤية أمس حاضرا كاليوم.

أما الثاني: فهو قطعُ مسافة سنة كاملة لملاقاة الأمس من جديد، ومع ذلك لا يمكن أن تمسك به، لأنه يدَعك ويمضي.

وهكذا الأمر في النفوذ من الظاهر إلى الحقيقة، فإنه بصورتين:

الأولى: الانجذاب إلى الحقيقة مباشرةً ووجدان الحقيقة في عين الظاهر المشاهَد، من دون الدخول إلى برزخ الطريقة.

الثانية: قطعُ مراتب كثيرة بالسير والسلوك.

Yükleniyor...