﹛﴿ لَٓا اُحِبُّ الْاٰفِل۪ينَ ﴾|﹜ (الأنعام: ٧٦). فيلتجئ بالصلاة إلى باب مَن هو المعبود الذي لم يزل ومَن هو المحبوب الذي لا يزال، مناجيا ذلك الباقي السرمدي في هذه الدنيا الفانية، وفي هذا العالم الفانـي، وفي هذه الحياة المظلمة والمسـتقبل المظلم، لينشر على أرجاء دنياه النور من خلال صحبة خاطفةٍ ومناجاة موقتة، ولينوّر مستقبله ويضمد جراح الزوال والفراق عما يحبّه من أشياء وموجودات ومن أشخاص وأصدقاء وأحباب، بمشاهدة توجّه رحمةِ الرحمن الرحيم، وطلب نور هدايته. فينسى -بدوره- تلك الدنيا التي أنسَته، والتي اختفت وراء العشاء، فيسكب عبرات قلبه، ولوعة صدره، على عتبة باب تلك الرحمة، ليقوم بوظيفة عبوديته النهائية قبل الدخول فيما هو مجهول العاقبة، ولا يعرف ما يُفعل به بعده، من نوم شبيه بالموت، وليختم دفتر أعماله اليومية بحسن الخاتمة.

ولأجل ذلك كله يقوم بأداء الصلاة، فيتشرف بالمثول أمام مَن هو المعبود المحبوب الباقي بدلا من المحبوبات الفانية، وينتصب قائما أمام مَن هو القدير الكريم بدلا من جميع العجزة المتسولين، وليسمو بالمثول في حضرة مَن هو الحفيظ الرحيم لينجو من شر من يرتعد منهم من المخلوقات الـضارة. فيستهلّ الصلاة بالفاتحة، أي بالمدح والثناء لرب العالمين الكريم الرحيم الذي هو الكامل المطلق والغني المطلق، بدلا من مدح مخلوقات لا طائل وراءها وغير جديرة بالمدح وهي ناقصة وفقيرة وبدلا من البقاء تحت ذلّ المنّة والأذى. فيرقى إلى مقام الضيف الكريم في هذا الكون، وإلى مقام الموظف المرموق فيه رغم أنه ضئيل وصغير بل هو معدوم. وذلك بسموّه إلى مرتبة خطاب ﹛﴿ اِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾|﹜ أي انتسابه لمالك يوم الدين ولسلطان الأزل والأبد. فيقدّم بقوله: ﹛﴿ اِيَّاكَ نَعْبُدُ وَاِيَّاكَ نَسْتَع۪ينُ ﴾|﹜ عبادات واستعانات الجماعة الكبرى والمجتمع الأعظم لجميع المخلوقات طالبا الهداية إلى الصراط المستقيم الذي هو طريقه المنوّر الموصل إلى السعادة الأبدية عبر ظلمات المستقبل بقوله: ﹛﴿ اِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَق۪يمَ ﴾|﹜ ويتفكر في كبريائه سبحانه وتعالى ويتأمل في أن هذه الشموس المستترة -التي هي كالنباتات والحيوانات النائمة الآن- وهذه النجوم المنتبهة، جنود مطيعة مسخّرة لأمره جل وعلا، وأن كل واحد منها ما هو إلا مصباح في دار ضيافته هذه، وكل واحد منها خادم عامل. فيكبّر قائلا: « الله أكبر » ليبلُغَ الركوع.

Yükleniyor...