سنجمل هنا الوظائف الإنسانية وأساسات العبودية التي أوضحناها في موضع آخر، وذلك لفهم وإدراك سر «أحسن تقويم» فنقول:

إن الإنسان بعد مجيئه إلى هذا العالم له عبودية من ناحيتين:

الناحية الأولى: عبودية وتفكر بصورة غيابية.

الناحية الثانية: عبودية ومناجاة بصورة مخاطبة حاضرة.

الناحية الأولى هي: تصديقُه بالطاعة لسلطان الربوبية الظاهر في الكون والنظرُ إلى كماله سبحانه ومحاسنه بإعجابٍ وتعظيم. ثم استنباطُ العبرة والدروس من بدائع نقوش أسمائه الحسنى القدسية وإعلانُها ونشرُها وإشاعتها. ثم وزنُ جواهر الأسماء الربانية ودُررها -كلُّ واحدٍ منها خزينة معنوية خفية- بميزان الإدراك والتبصّر وتقييمها بأنوار التقدير والعظمة والرحمة النابعة من القلب. ثم التفكرُ بإعجاب عند مطالعة أوراق الأرض والسماء وصحائف الموجودات التي هي بمثابة كتابات قلم القدرة. ثم النظرُ باستحسان بالغ إلى زينة الموجودات والصنائع الجميلة اللطيفة التي فيها والتحببُ لمعرفة الفاطر ذي الجمال والتلهّفُ إلى الصعود إلى مقام حضورٍ عند الصانع ذي الكمال ونيل التفاته الرباني.

الناحية الثانية هي: مقامُ الحضور والخطاب الذي ينفذُ من الأثَر إلى المؤثّر، فيرى أن صانعا جليلا يريد تعريف نفسه إليه بمعجزات صنعته. فيقابله هو بالإيمان والمعرفة. ثم يرى أنّ ربّا رحيما يريد أن يحبّب نفسَه إليه بالأثمار الحلوة اللذيذة لرحمته، فيقابله هو بجعل نفسِه محبوبا عنده بالمحبة الخالصة والتعبد الخالص لوجهه. ثم يرى أنّ مُنعما كريما يُغرقه في لذائذ نِعَمِه المادية والمعنوية، فيقابله هو بفعله وحاله وقوله بكل حواسه وأجهزته -إن استطاع- بالشكر والحمد والثناء عليه. ثم يرى أنّ جليلا جميلا يُظهر في مرآة هذه الموجودات كبرياءَه وعظمتَه وكمالَه ويُبرز جلالَه وجمالَه فيها بحيث يجلب إليها الأنظار فيقابل هو ذلك كلّه: بترديد «الله أكبر.. سبحان الله..» ويسجد سجودَ مَن لا يَمَلّ بكل حيرة وإعجاب وبمحبة ذائبة في الفناء. ثم يرى أنّ غنيا مطلقا يعرضُ خزائنَه وثروتَه الهائلة التي لا تنضب في سخاء مطلق، فيقابله هو بالسؤال والطلب بكمال الافتقار في تعظيم وثناء.

Yükleniyor...