ولا تقل: «أنا لست بشيء وما أهميتي حتى يُسخَّر لي هذا الكون من لدن الحكيم العليم عن قصد وعناية وحتى يُطلب مني الشكرَ الكلي». ذلك وإن كنتَ بحسب نفسِك وصورتِك الظاهرية في حُكم العدم، إلّا أنك بحسب وظيفتك ومنـزلتك مُشاهِد فَطِن، ومتفرج ذكي على الكائنات العظيمة. وأنك اللسانُ الناطق البليغ ينطق باسم هذه الموجودات الحكيمة.. وأنك القارئ الداهي والمطالعُ النبيه لكتاب العالم هذا.. وأنك المشرف المتفكّر في هذه المخلوقات المسبّحة.. وأنك بحكم الأستاذ الخبير والمعمار الكريم لهذه المصنوعات العابدة الساجدة.

نعم، أيها الإنسان! إنك من جهة جسمِك النباتي ونفسِك الحيوانية جزء صغير وجزئي حقير ومخلوق فقير وحيوان ضعيف تخوض في الأمواج الهادرة لهذه الموجودات المتزاحمة المدهشة. إلّا أنك من حيث إنسانيتُك المتكاملة بالتربية الإسلامية، المنوَّرة بنور الإيمان المتضمنِ لضياء المحبة الإلهية سلطانٌ في هذه العبدية.. وأنك كلّي في جزئيتك.. وأنك عالَم واسع في صغرك.. ولك المقامُ السامي مع حقارتك، فأنت المشرفُ ذو البصيرة النيرّة على هذه الدائرة الفسيحة المنظورة، حتى يمكنك القول: «إن ربيَ الرحيمَ قد جعلَ لي الدنيا مأوىً ومسكنا، وجعل لي الشمس والقمر سراجا ونورا، وجعل لي الربيعَ باقةَ وردٍ زاهية، وجعلَ لي الصيفَ مائدةَ نعمةٍ، وجعل لي الحيوانَ خادما ذليلا، وأخيرا جعل لي النباتَ زينةً وأثاثا وبهجة لداري ومسكني».

وخلاصة القول: أنك إذا ألقيتَ السمعَ إلى النفس والشيطان فستسقط إلى أسفل سافلين وإذا أصغيتَ إلى الحق والقرآن ارتقيت إلى أعلى عليين وكنتَ «أحسن تقويم» في هذا الكون.

النكتة الخامسة

إن الإنسان أرسل إلى الدنيا ضيفا وموظفا ووُهبتْ له مواهبُ واستعدادات مهمة جدا، وعلى هذا أسندت إليه وظائفُ جليلة. ولكي يقوم الإنسان بأعماله وليَكدّ ويسعى لتلك الغايات والوظائف العظيمة فقد رُغِّب ورُهِّب لإنجاز عمله.

Yükleniyor...