واختل». وبما أنه لا يستطيع أن يصلح تلك الأحوال بإرادته الجزئية -وهي غير إرادية على الأغلب- يتردى إلى هاوية اليأس القاتل.

أما علاج هذا الجرح فهو: أنّ تَوهم الكفر ليس كُفرا كما أن تخيل الكفر ليس كفرا، وإنّ تصور الضلالة ليس ضلالة، مثلما أن التفكير في الضلالة ليس ضلالة. ذلك لأن التخيل والتوهم والتصور والتفكر.. كل أولئك متباين ومتغاير كليا عن التصديق العقلي والإذعان القلبي. إذ التخيل والتوهم والتصور والتفكر أمور حرة طليقة إلى حدٍ ما، لذلك فهي لا تحفَل بالجزء الاختياري المنبثق من إرادة الإنسان، ولا ترضخ كثيرا تحت التبعات الدينية. بينما التصديق والإذعان ليسا كذلك، فهما خاضعان لميزان، ولأن كلا من التخيل والتوهم والتصور والتفكر ليس بتصديق وإذعان فلا يعدّ شبهةً ولا ترددا. لكن إذا تكررت هذه الحالة -دون مبرر- وبلغت حالة من الاستقرار في النفس، فقد يتمخض عنها لون من الشبهات الحقيقية، ثم قد ينـزلق الموسوس-بالتزامه الطرف المخالف باسم المحاكمات العقلية الحيادية أو باسم الإنصاف- إلى حالة يلتزم المخالف دون اختيار منه، وعندها يتنصل من الالتزامات الواجبة عليه تجاه الحق، فيهلك. إذ تتقرر في ذهنه حالة أشبه ما يكون بالمفوّض والمخوّل من قبل الطرف المخالف أي الخصم أو الشيطان.

ولعل أهم نوع من هذه الوسوسة الخطيرة هو أن الموسوس يلتبس عليه «الإمكان الذاتي» و«الإمكان الذهني» أي إنه يتوهم بذهنه ويشك بعقله ما يراه ممكنا في ذاته، علما بأن هنالك قاعدة كلامية في علم المنطق تنص على: «أن الإمكان الذاتي لا ينافي اليقين العلمي، ومن ثم فلا تعارض ولا تضاد بينه وبين الضرورات الذهنية وبديهياتها».

ولتوضيح ذلك نسوق هذا المثال: من الممكن أن يغور البحر الأسود الآن، فهذا شيء محتمل الوقوع بالإمكان الذاتي، إلّا أننا نحكم يقينا بوجود البحر المذكور في موقعه الحالي، ولا نشك في ذلك قطعا. فهذا الاحتمال الإمكاني والإمكان الذاتي لا يولدان شبهة ولا شكا، بل لا يخلان بيقيننا أبدا.

ومثال آخر: من الممكن ألّا تغيب الشمس اليوم، ومن الممكن ألّا تشرق غدا، إلّا أن هذا الإمكان والاحتمال لا يخل بيقيننا بأي حال من الأحوال، ولا يطرأ أصغر شبهة عليه.


Yükleniyor...