فيا تُرى هل يمكن لربّ قدير، يهيئ ما يلزم حياتك من الحاجات المتعلقة بها جميعا ويوفر لك أجهزتَها كلها سواء في جسمك أو في حديقتك أو في بلدك، ويرسلُه في وقته المناسب بحكمة وعناية ورحمة، حتى إنه يعلم رغبةَ معدتك فيما يكفل لك العيش والبقاء، ويسمع ما تَهتف به من الدعاء الخاص الجزئي للرزق مُبديا قبولَه لذلك الدعاء بما بثّ من الأطعمة اللذيذة غير المحدودة ليُطمئِن تلك المعدة! فهل يمكن لهذا المدبّر القدير أن لا يعرفك؟ ولا يراك؟ ولا يهيئ الأسباب الضرورية لأعظم غاية للإنسان وهي الحياة الأبدية؟ ولا يستجيب لأعظم دعاء وأهمّه وأعمّه، وهو دعاء البقاء والخلود؟ ولا يقبله بعدم إنشائه الحياة الآخرة وإيجاد الجنة؟ ولا يسمع دعاء هذا الإنسان وهو أسمى مخلوق في الكون بل هو سلطان الأرض ونتيجتها.. ذلك الدعاء العام القوي الصادر من الأعماق، والذي يهز العرش والفرش! فهل يمكن أن لا يهتم به اهتمامَه بدعاء المعدة الصغيرة ولا يُرضي هذا الإنسان؟ ويعرّض حكمتَه الكاملة ورحمتَه المطلقة للإنكار؟ كلا.. ثم كلا ألف ألف مرة كلا.

وهل يعقل أن يسمع أخفتَ صوت لأدنى جزء من الحياة فيستمع لشكواه ويسعفه، ويحلم عليه ويربيه بعناية كاملة ورعاية تامة وباهتمام بالغ مسخرا له أكبر مخلوقاته في الكون، ثم لا يسمع صوتا كهزيم السماء لأعظم حياة وأسماها وألطفها وأدومها؟ وهل يعقل ألّا يهتم بدعائه المهم وهو دعاء البقاء، وألّا ينظر إلى تضرعه ورجائه وتوسله؟ ويكون كمن يجهّز بعناية كاملة جنديا واحدا بالعتاد، ولا يرعى الجيش الجرار الموالي له!! وكمن يرى الذرة ولا يرى الشمس! أو كمن يسمع طنين الذباب ولا يسمع رعود السماء! حاشَ لله مائة ألف مرة حاشَ لله.

وهل يقبل العقل -بوجه من الأوجه- أن القدير الحكيم ذا الرحمة الواسعة وذا المحبة الفائقة وذا الرأفة الشاملة والذي يحب صنعتَه كثيرا، ويحبّب نفسه بها إلى مخلوقاته وهو أشد حبا لمن يحبونه... فهل يعقل أن يُفني حياةَ مَن هو أكثر حبا له، وهو المحبوب، وأهل للحب، وعابد لخالقه فطرةً؟ ويُفني كذلك لبَّ الحياة وجوهرها وهو الروح، بالموت الأبدي والإعدام النهائي، ويولّد جفوة بينه وبين محبيه ويؤلمهم أشدّ الإيلام، فيجعل سرَّ رحمته ونور محبته معرّضا للإنكار! حاشَ لله ألف مرة حاش لله.. فالجمال المطلق الذي زيّن بتجليه هذا الكون وجمّله،

Yükleniyor...