القطعة الثانية من الذيل

هي المقام الأول من تسعة مقامات لطبقات البراهين التسع التي تدور حول الحشر والتي أشارت إليها بإعجاز الآي الكريمة الآتية:

﹛﴿ فَسُبْحَانَ اللّٰهِ ح۪ينَ تُمْسُونَ وَح۪ينَ تُصْبِحُونَ ❀ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمٰوَاتِ وَالْاَرْضِ وَعَشِيًّا وَح۪ينَ تُظْهِرُونَ ❀ يُخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَىِّ وَيُحْيِي الْاَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذٰلِكَ تُخْرَجُونَ ﴾|﹜ (الروم:١٧-١٩)

سيُبيَّن -إن شاء الله- ما أظهرته هذه الآيات الكريمة من البرهان الباهر والحجة القاطعة للحشر. (34) ولقد بيّنت في الخاصة الثامنة والعشرين من الحياة، أن الحياة تثبت أركان الإيمان الستة، وتتوجه نحوها وتشير إلى تحقيقها.

نعم، فما دامت «الحياة» هي حكمة خلق الكائنات، وأهم نتيجتها وجوهرها، فلا تنحصر تلك الحقيقة السامية في هذه الحياة الدنيا الفانية القصيرة الناقصة المؤلمة، بل أن الخواص التسع والعشرين للحياة وعظمة ماهيتها، وما يُفهم من غاية شجرتِها ونتيجتها، وثمرتِها الجديرة بعظمة تلك الشجرة، ما هي إلّا الحياة الأبدية والحياة الآخرة والحياة الحية بحَجَرها وترابِها وشجرها في دار السعادة الخالدة. وإلّا يلزم أن تظل شجرة الحياة المجهَّزة بهذه الأجهزة الغزيرة المتنوعة في ذوي الشعور -ولا سيما الإنسان- دون ثمر ولا فائدة ولا حقيقة، ولظل الإنسانُ تعسا وشقيا وذليلا وأحط من العصفور بعشرين درجة، بالنسبة لسعادة الحياة، مع أنه أسمى مخلوق وأكرم ذوي الحياة وأرفع من العصفور بعشرين درجة. بل العقلُ الذي هو أثمن نعمة يصبح بلاءً ومصيبة على الإنسان بتفكره في أحزان الزمان الغابر ومخاوف المستقبل، فيعذِّب قلبَه دائما معكّرا صفو لذة واحدة بتسعة آلام!. ولاشك أن هذا باطل مائة في المائة.

فهذه الحياة الدنيا إذن تثبت ركن «الإيمان بالآخرة» إثباتا قاطعا بما تُظهر لنا في كل ربيع أكثر من ثلاثمائة ألف نموذج من نماذج الحشر.

Yükleniyor...