ضعفه الشديد، وآلام لا تُعدّ مع عجزه الكامل- رب قدير، له القدرة والرأفة المطلقة مما يجعل هذه الأرض الهائلة العظيمة مخزنا عظيما لأنواع المعادن التي يحتاجها الإنسان، ومستودعا لأنواع الأطعمة الضرورية له، وحانوتا للأموال المختلفة التي يرغبها، وأنه سبحانه ينظر إليه بعين العناية والرأفة ويربيه ويزوده بما يريد..

وما دام الربُّ سبحانه -كما في هذه الحقيقة- يحبّ الإنسان، ويحبّب نفسَه إليه، وهو باقٍ، وله عوالم باقية، ويُجري الأمور وفق عدالته، ويعمل كل شيء وفق حكمته، وأن عظمة سلطان هذا الخالق الأزلي وسرمدية حاكميته لا تحصرهما هذه الدنيا القصيرة، ولا يكفيهما عمرُ الإنسان القصير جدا، ولا عمرُ هذه الأرض المؤقتة الفانية. حيث يظل الإنسانُ دون جزاء في هذه الدنيا لما يرتكبه من وقائع الظلم، وما يقترفه من إنكار وكفر وعصيان، تجاه مولاه الذي أنعم عليه ورباه برأفة كاملة وشفقة تامة، مما ينافي نظام الكون المنسّق، ويخالف العدالةَ والموازنة الكاملة التي فيها، ويخالف جمالَه وحُسنَه، إذ يقضي الظالم القاسي حياته براحة، بينما المظلوم البائس يقضيها بشظف من العيش. فلا شك أن ماهية تلك العدالة المطلقة -التي يُشاهد آثارُها في الكائنات- لا تقبل أبدا، ولا ترضى مطلقا، عدمَ بعث الظالمين العتاة مع المظلومين البائسين الذين يتساوون معا أمام الموت.

وما دام مالك الملك قد اختار الأرض من الكون، واختار الإنسان من الأرض، ووهب له مكانة سامية، وأولاه الاهتمام والعناية، واختار الأنبياء والأولياء والأصفياء من بين الناس، وهم الذين انسجموا مع المقاصد الربانية، وحبّبوا أنفسهم إليه بالإيمان والتسليم، وجعلهم أولياءه المحبوبين المخاطبين له، أكرمهم بالمعجزات والتوفيق في الأعمال وأدّب أعداءهم بالصفعات السماوية، واصطفى من بين هؤلاء المحبوبين إمامَهم ورمزَ فخرهم واعتزازهم، ألا وهو محمد ﷺ. فنوّر بنوره نصفَ الكرة الأرضية ذات الأهمية، وخُمس البشرية ذوي الأهمية، طوال قرون عدة، حتى كأن الكائنات قد خُلقت لأجله، لبروز غاياتها جمـيعا به، وظهورهـا بالدين الـذي بُعث به، وانجلائها بالقرآن الـذي أنزل عليه. فبينما يستحق أن يكافأ على خدماته الجليلة غير المحدودة بعمرٍ مديد غيـر محدود وهو أهـل له، إلّا أنه قضى عمرا قصيرا وهو ثلاث وستون سنة في مجاهدة ونصَب وتعب! فهل يمكن، وهل يعقل مطلقا، وهل هناك أي احتمال ألّا يُبعَث هو وأمثاله وأحباؤه معا؟! وألّا يكون الآن حيا بروحه؟! وأن يفنى


Yükleniyor...