نهائيا ويصير إلى العدم؟ كلا.. ثم كلا.. وحاشاه ألف ألف مرة. نعم، إن الكون وجميعَ حقائق العالم يدعو إلى بعثه ويريده ويطلب من رب الكون حياتَه.

ولقد بيّنتْ رسالةُ «الآية الكبرى» وهي الشعاع السابع وأثبتت بثلاثة وثلاثين إجماعا عظيما، كلّ منها كالجبل الأشم في قوة حجّته، بأن هذا الكون لم يصدر إلّا من يد واحدٍ أحد، وليــس مُلكا إلّا لواحد أحد. فأظهرت التوحيد -بتلك البراهين والمراتب بداهةً- أنه محور الكمال الإلهي وقطبه. وبيّنت أنه بالوحدة والأحدية يتحول جميعُ الكون بمثابة جنودٍ مستنفرين لذلك الواحد الأحد، وموظفين مسخّرين له. وبمجيء الآخرة ووجودها تتحقق كمالاتُه وتُصان من السقوط وتسود عدالتُه المطلقة، وتنجو من الظلم، وتُنزّه حكمتُه العامة وتبرأ من العبث والسفاهة، وتأخذ رحمتُه الواسعة مداها، وتُنقذ من التعذيب المشين. وتبدو عزتُه وقدرته المطلقتان وتُنقَذان من العجز الذليل. وتتقدّس كلُّ صفة من صفاته سبحانه وتتجلى منزّهةً جليلة.

فلابد ولا ريب مطلقا أن القيامة ستقوم، وأن الحشر والنشور سيحدث، وأن أبواب دار الثواب والعقاب ستُفتح، بمقتضى ما في حقائق هذه الفقرات الثمانية المذكورة المبتدئة بـ«ما دام» التي هي مسألة دقيقة ونكتة ذات مغزى لطيف من بين مئات النكات الدقيقة للإيمان بالله؛ وذلك: كي تتحقق أهميةُ الأرض ومركزيتُها، وأهميةُ الإنسانية ومكانتُها.. ولكي تتقرر عدالةُ رب الأرض والإنسان وحكمتُه ورحمته وسلطانه.. ولكي ينجو الأولياءُ والأحبّاء الحقيقيون والمشتاقون إلى الرب الباقي من الفناء والإعدام الأبدي.. ولكي يرى أعظمُهم وأحبُّهم وأعزُّهم ثوابَ عمله، ونتائج خدماته الجليلة التي جعلت الكائنات في امتنان ورضى دائمين.. ولكي يتقدس كمالُ السلطان السرمدي من النقص والتقصير، وتتنـزّه قدرتُه من العجز، وتبرأ حكمتُه من السفاهة، وتتعالى عدالتُه عن الظلم.

والخلاصة: ما دام الله جلّ جلالُه موجودا فإن الآخرة لا ريب فيها قطعا.

وكما تثبت الأركان الإيمانية الثلاثة -المذكورة آنفا- الحشرَ بجميع دلائلها وتشهد عليه. كذلك يستلزم الركنان الإيمانيان «وبملائكته، وبالقدر خيره وشره من الله تعالى» أيضا الحشرَ، ويشهدان شهادة قوية على العالم الباقي ويدلان عليه على النحو الآتي:


Yükleniyor...