ليفيضا على العباد. نعم، إن الذي يجعل الإحسانَ إحسانا حقا، والنعمةَ نعمةً حقا، هو وجود حياةٍ باقيةٍ خالدةٍ في عالم البقاء والخلود.. نعم، لابد أن يتحقق هذا.

وما دام قلمُ القدرة الذي يكتب في فصل الربيع وفي صحيفة ضيقة صغيرة، مائةَ ألف كتاب، كتابةً متداخلة بلا خطأ ولا نصَب ولا تعب، كما هو واضح جلي أمام أعيننا. وأن صاحب ذلك القلم قد تعهّد ووعد مائة ألف مرة لأكتُبنّ كتابا أسهل من كتاب الربيع المكتوب أمامكم ولأكتُبنّه كتابةً خالدة، في مكان أوسع وأرحبَ وأجملَ من هذا المكان الضيق المختلط المتداخل.. فهو كتاب لا يفنى أبدا، ولأجعلنّكم تقرؤونه بحَيرة وإعجاب!. وأنه سبحانه يذكر ذلك الكتاب في جميع أوامره، أي إن أصول ذلك الكتاب قد كُتبت بلا ريب، وستُكتب حواشيه وهوامشه بالحشر والنشور، وستدوّن فيه صحائف أعمال الجميع..

وما دامت هذه الأرضُ قد أصبحت ذات أهمية عظمى من حيث احتواؤها على كثرة المخلوقات، ومئات الألوف من أنواع ذوي الحياة والأرواح المختلفة المتبدلة، حتى صارت قلبُ الكون وخلاصته، ومركزُه وزبدتُه ونتيجتُه وسبب خلقه. فذُكرت دائما صنوا للسماوات كما في: ﹛﴿ رَبُّ السَّمٰوَاتِ وَالْاَرْضِ ﴾|﹜ في جميع الأوامر السماوية..

وما دام ابنُ آدم يحكم في شتى جهات هذه الأرض -التي لها هذه الماهيات والخواص- ويتصرف في أغلب مخلوقاتها مسخّرا أكثر الأحياء له، جاعلا أكثر المصنوعات تحوم حوله وفق مقاييسه وهواه، وحسب حاجاته الفطرية، وينظمها ويعرضها ويزيّنها، وينسّق الأنواع العجيبة منها في كل مكان بحيث لا يلفت نظرَ الإنس والجن وحدهم، بل يلفت أيضا نظرَ أهل السماوات والكون قاطبة، بل حتى نظر مالك الكون، فنال الإعجاب والتقدير والاستحسان، وأصبحت له -من هذه الجهة- أهمية عظيمة، وقيمة عالية، فأظهر بما أوتي من علم ومهارة أنه هو المقصود من حكمة خلق الكائنات، وأنه هو نتيجتُها العظمى وثمرتُها النفيسة، ولا غرو فهو خليفةُ الأرض.. وحيث إنه يعرض صنائع الخالق البديعة، وينظّمها بشكل جميل جذاب في هذه الدنيا، فقد أجّل عذابُه على عصيانه وكفره، وسُـمح له بالعيش في الدنيا وأمهل ليقوم بهذه المهمة بنجاح..

وما دام لابن آدم -الذي له هذه الماهية والمزايا خِلقةً وطبعا، وله حاجات لا تُحدّ مع


Yükleniyor...