الخلاصة: كما أننا رأينا في الحكاية أن في هوية الضابط ودفتر خدمته رتبتَه، ووظيفتَه ومرتَّبه وأفعالَه وعتَاده، واتضح لدينا أن ذلك الضابط لا يعمل لأجل هذا الميدان المؤقت، بل لما سيرحل إليه من تكريم وإنعام في مملكة مستقرة دائمة. كذلك فإن ما في هوية قلب الإنسان من لطائف، وما في دفتر عقله من حواس، وما في فطرته من أجهزة وعتاد متوجهة جميعا ومعا إلى السعادة الأبدية، بل ما مُنحت له إلّا لأجل تلك السعادة الأبدية. وهذا ما يتفق عليه أهل التحقيق والكشف.

فعلى سبيل المثال: لو قيل لقدرة التخيل في الإنسان -وهي إحدى وسائل العقل وأحد مصوّريه-: ستُمنح لكِ سلطنة الدنيا وزينتها مع عُمر يزيد على مليون سنة ولكن مصيرُك إلى الفناء والعدم حتما. نراها تتأوّه وتتحسّر، إن لم يتدخل الوهمُ وهوى النفس. أي إن أعظم فانٍ -وهو الدنيا وما فيها- لا يمكنه أن يُشبع أصغرَ آلة في الإنسان وهي الخيال!

يظهر من هذا جليا أن هذا الإنسان الذي له هذا الاستعداد الفطري والذي له آمال تمتد إلى الأبد، وأفكار تحيط بالكون، ورغبات تنتشر في ثنايا أنواع السعادة الأبدية. هذا الإنسان إنما خُلق للأبد وسيرحل إليه حتما. فليست هذه الدنيا إلّا مستضافا مؤقتا، وصالةَ انتظار الآخرة.

الحقيقة الثانية عشرة

باب الرسالة والتنـزيل وهو تجلي «بِسْمِ الله الرَّحمنِ الرَّحِيمِ»


أمن الممكن لمن أيّد كلامَه جميعُ الأولياء الصالحين المعزّزين بكشفياتهم وكراماتهم، وشهد بصدقه جميعُ العلماء والأصفياء المستندين إلى تدقيقاتهم وتحقيقاتهم.. ذلكم هو الرسول الكريم ﷺ الـذي فتـح بما أوتي من قوة طريقَ الآخرة وباب الجنة، مصدَّقا بألفٍ من معجزاته الثابتة، وبآلاف من آيات القرآن الكريم الثابت إعجازُه بأربعين وجها. فهل من الممكن أن تسدّ أوهام هي أوهى من جناح ذبابة ما فتحه هذا الرسول الكريم ﷺ من طريق الآخرة وباب الجنة؟!

∗ ∗ ∗


وهكذا لقد فُهم من الحقائق السابقة أن مسألة الحشر حقيقة راسخة قوية بحيث لا يمكن أن تزحزحها أيّةُ قوة مهما كانت حتى لو استطاعت أن تزيح الكرة الأرضية وتحطمها،


Yükleniyor...