كل ناحية انس وسلوان، وفي كل زاوية محبة ووئام.. فهي ترتشف تلك الهدايا الطيبة، وتقطّر شهد الشهادة، عسلا على عسل.

وكلما وقعت أنظارنا على حركات النجوم والشموس، تسلِّمها إلى يد حكمة الخالق، فتستلهم العبرة وجلوة الرحمة. حتى كأن الشمس تتكلم معنا قائلة:

«يا إخوتي! لا تستوحشوا مني ولا تضجروا! فأهلا وسهلا بكم. فقد حللتم أهلا ونـزلتم سهلا. أنتم أصحاب المنـزل، وأنا المأمور المكلف بالإضاءة لكم. أنا مثلكم خادم مطيع سخرّني الأحد الصمد للإضاءة لكم، بمحض رحمته وفضله. فعليّ الإضاءة والحرارة وعليكم الدعاء والصلاة.

فيا هذا! هلّا نظرت إلى القمر.. إلى النجوم.. إلى البحار.. كل يرحب بلسانه الخاص ويقول: حياكم وبياكم. فأهلا وسهلا بكم!

فانظر يا أخي بمنظار التعاون، واستمع بصماخ النظام، كل منها يقول: «نحن أيضا خدّام مسخرون. نحن مرايا رحمة الرحمن. لا نسأم من العمل أبدا. لا تتضايقوا منا».

فلا تخيفنكم نعرات الزلازل وصيحات الحوادث، فهي ترنمات الأذكار ونغمات التسبيحات، وتهاليل التضرعات.. نعم، إنّ الذي أرسلكم إلى هنا، هو ذلك الجليل الجميل الذي بيده زمام كل أولئك.. إنّ عين الإيمان تقرأ في وجوهها آيات الرحمة.

أيها المؤمن يا ذا القلب اليقظ! ندع عيوننا لتخلد إلى شيء من الراحة، ونسلّم آذاننا للإيمان بدلا منها. ولنستمع من الدنيا إلى نغمات لذيذة.. فالأصوات التي كانت تتعالى في طريقنا السابقة -وظنناها أصوات مآتم عامة ونعيات الموت- هي أصوات أذكار في هذه الطريق وتسابيح وحمد وشكر.

فترنمات الرياح ورعدات الرعود ونغمات الأمواج.. تسبيحات سامية جليلة وهزجات الأمطار وسجعات الأطيار.. تهاليل رحمة وعناية..

كلها مجازات تومئ إلى حقيقة.

نعم، إن صوت الأشياء، صدى وجودها، يقول: أنا موجود.

Yükleniyor...