وما دامت كل حجيرةٍ وكل كُريَّةٍ دموية منقادةً لأوامره سبحانه، وضمن تدبيره وتصريفه الأمور، وتتحرك وفق قانونه. فلابد أن جميع موادها الأساسية، وجميعَ ذراتها التي تُنسج منها نقوشُ صنعها، في قبضة قدرته، وضمن دائرة علمه بالضرورة، ولابد أنها تتحرك بانتظام وتُؤَدي الوظائف على أتمَّ وجه بأمره وإذنه وقوته.

وما دامت حركة كلِّ ذرة وأداؤها الوظائف، بقانونه وإذنه وأمره، فلابد أنّ تشخّصات الوجه وملامحَه ووجودَ العلامات الفارقة المميزة لكلِّ فرد عن الآخر، سواء في الملامح، أو في الألسنة، إنما هو بعلمه وحكمته بالبداهة.

فتدبّر في هذه الآية الكريمة التي تبين مبدأ هذه السلسلة (المذكورة) ومنتهاها ﹛﴿ وَمِنْ اٰيَاتِه۪ خَلْقُ السَّمٰوَاتِ وَالْاَرْضِ وَاخْتِلَافُ اَلْسِنَتِكُمْ وَاَلْوَانِكُمْۜ اِنَّ ف۪ي ذٰلِكَ لَاٰيَاتٍ لِلْعَالِم۪ينَ ﴾|﹜ (الروم:٢٢).

فيا داعية أهل الشرك! إن البراهين التي تثبت مسلك التوحيد، وتدل على قدير مطلق القدرة، قوية كثيرة بقوة سلسلة الكائنات؛ إذ مادام خلقُ السماوات والأرض يدل على صانع قدير، ويدل على قدرته المطلقة، وعلى كمال تلك القدرة لديه، فلابد من استغناءٍ مطلقٍ عن الشركاء، أي لا حاجة إلى شركاء في أية جهة كانت. فإذ لا احتياج -كما ترى- فَلِمَ إذن تنساق في هذا المسلك المُظلم؟ ما الذي يدفعُك إلى الدخول هناك؟ وحيث لا حاجة إلى شركاء، والكائنات كلُّها مستغنية عن الشركاء استغناءً مطلقا، فلا شك أن وجود شريك للألوهية والربوبية وفي الإيجاد أيضا ممتنع محال؛ لأن القدرة التي يملكها صانعُ السماوات والأرض قدرة لا منتهى لها وهي في غاية الكمال -كما أثبتنا- ولو وجِد شريك يلزم أن تكون قدرة أخرى متناهية تغلب تلك القدرة غير المتناهية، والتي هي في غاية الكمال، وتستولي على موضعٍ منها فتمنع لاتناهيها وتجعلها في وضع عَجز معنوي، وتحدّها وهي غير محدودة بالذات. بمعنى أن شيئا متناهيا يُنهي ما لا يتناهى وهو في كمال لاتناهيه ويجعله متناهيا!! وهذا هو أبعدُ المحالات وأبعدُ الممتنعات عن العقل والمنطق.

ثم إنّ الشركاء مستغنىً عنها، وممتنعة بالذات، كما أنّ وجودها محال، فادّعاء الشركاء إذن ادعاء تحكّمى ليس إلّا. إذ لعدم وجود سبب لادعاء تلك الدعوى عقلا ومنطقا وفكرا


Yükleniyor...