تنوّر الموجودات كلَّها وتبيّنها أنها أحبّاءُ متآخية، في تسبيح وذكر لربِّها الجليل، والموتُ والزوال تسريح من الوظيفة وراحة منها. وتلك الأصواتُ تسبيحات وتحميدات.. وهكذا، فإن شئتَ أن ترى هذه الحقيقة بأوضح صورتها فراجع «الكلمة الثانية» من «الكلمات الصغيرة».

المثال الثاني: هب أننا معك في صحراء كبرى. تحيط بنا عواصفُ رملية من كل جانب، وظلمةُ الليل تحجُب عنا كلَّ شيء حتى لا نكاد نرى أيدينا. والجوعُ يفتك بنا والعطشُ يلهبُ أفئدتَنا، ولا معينَ لنا ولا ملجأ.. تصوَّر هذه الحالة التي نضطربُ فيها، وإذا بشخصٍ كريم يمزّق حجابَ الظلام ثم يأتي إلينا، وفي معيّته مركبة فارهة هديةً لنا، فيقلّنا بها إلى مكان أشبه ما يكون بالجنة. كلُّ شيء فيه على ما يرام، كلُّ شيء مهيأ ومضمون لنا.. يتولانا مَن هو في منتهى الرحمة والشفقة والرأفة، وقد أعدّ لنا كلَّ ما نحتاجه من وسائل الأكل والشرب... أظنك تقدّر الآن كم نكون شاكرين لفضل ذلك الشخص الكريم، الذي أخذَنا من موضع اليأس والقنوط إلى مكان كله أمل وسرور.

فتلك الصحراءُ الكبرى هي هذه الدنيا، وتلك العواصفُ الرملية هي حركاتُ الذرات وسيولُ الزمان التي تضطرب بها الموجودات وهذا الإنسان المسكين.. كلُّ إنسان قلق ومضطرب يتوجس خيفةً مما يخفيه له مقبلُ أيامِه المظلمةُ المُخيفةُ.. هكذا تريه الضلالةُ فلا يعرف بمَن يستغيث، وهو يتضوّر جوعا وعطشا..

وهكذا، فمعرفةُ مرضيات الله سبحانه، وهي ثمرة من ثمرات المعراج، تجعل هذه الدنيا مَضيفا لمُضيف جوادٍ كريم. وتجعل الأناسيَّ ضيوفَه المكرّمين، ومأموريه في الوقت نفسه، وضَمِن له مستقبلا زاهيا كالجنة ومُمتِعا ولذيذا كالرحمة، وساطعا باهرا كالسعادة الأبدية.

فإذا تصورت هذا وذاك فعندئذ يمكنك أن تقيسَ مدى لذةِ تلك الثمرة وجمالِها وحلاوتها!

إنّ من كان في مقام الاستماع يقول: حمدا لله وشكرا ألف شكرٍ فقد نجوتُ بفضلِه من الإلحاد، فسلكتُ طريقَ الإيمان والتوحيد. وغنِمتُ الإيمانَ.. والحمدُ لله.

ونحن نقول له: أيها الأخ! نهنئك بالإيمان، ونسأله تعالى أن يجعلنا ممَّن ينالون شفاعةَ الرسول الكريم ﷺ.

Yükleniyor...