كذلك سلسلةُ الكائنات المتشعبة من شجرة الخليقة لا يمكنها أن تنجو من التمزّق والاندثار لأجل التعمير والتجديد.

ولئن لم تحدث للدنيا قبلَ أجلها الفطري، وبإذن إلهي، حادثة مدمرّة أو مرض خارجي، أو لم يُخِلَّ بنظامها خالقُها الحكيم، فلاشك -بحساب علمي- أنه سيأتي يوم يتردد فيه صدى: ﹛﴿ اِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْۙۖ ❀ وَاِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْۙۖ ❀ وَاِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْۙ ﴾|﹜(التكوير:١-٣) ﹛﴿ اِذَا السَّمَٓاءُ انْفَطَرَتْۙ ❀ وَاِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْۙ ❀ وَاِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ ﴾|﹜ (الانفطار:١-٣).

عندئذ تظهر معاني هذه الآيات وأسرارُها بإذن القدير الأزلي. وإن هذه الدنيا، التي هي كإنسان ضخم، ستبدأ بالسكَرات وتتمَلمل وتشخرُ بصوت غريب وتحشرج ثم تصيح بصوت مدوٍ هائل يملأ الفضاء.. ثم تموت ثم تُبعث بأمر إلهي..

مسألة رمزية دقيقة

كما أنّ اللفظَ يغلظ مضرا بالمعنى، واللبَّ على حساب القشر يقوى، والروحَ تضعف لأجل الجسد، والجسدَ يضعف ويهزُل لأجل قوة الروح.. كذلك عالَمُنا الكثيف هذا كلما عملتْ فيه دواليبُ الحياة شفّت ورقّتْ في سبيل العالم اللطيف.. وهو الآخرة..

فالقدرة الفاطرة بفعاليتها المحيّرة تنشر نورَ الحياة على الأجزاء الميتة الجامدة الكثيفة المنطفئة فتُذَوِّب وتُلَيّن وتضيء وتنير تلك الأجزاءَ بنور تلك الحياة لتتقوى حقيقتُها وتكون جاهزةً للعالم اللطيف الرائع.. أعني الآخرة.

نعم، فالحقيقةُ مهما كانت ضعيفة فإنها لا تموت أبدا ولا يمكن أن تُمحى كالصورة، بل تسير وتجول في الصوَر والتشخّصات والأشكال المختلفة، إذ تكبُر وتظهر كلّما تقدمت، بعكس القشر والصورة، فإنها تتهرأ وتهزُل وتتمزّق وتتجدد لتظهر بحلّةٍ جميلة جديدة تلائم قوامَ الحقيقة الثابتة النامية الكبيرة.

فالحقيقةُ والصورة تتناسبان إذن عكسيا زيادةً ونقصانا. أي كلما اخشوشنت الصورةُ رقّت الحقيقةُ، وكلما ضعُفَت الصورة تقوّت الحقيقةُ بالنسبة نفسها. وهذا قانون شامل لجميع الأشياء الداخلة في قانون التكامل. فلَيأتينّ ذلك الزمن الذي يتمزّق فيه

Yükleniyor...