ودون تجزؤ. فخواص التشخصات والصفات الظاهرية للجسم لا تشوّش ولا تتداخل مع الماهيّة والخاصة المجرّدة، ولا تغيّر نظرة تلك الخاصة المجردة.
المثال السادس: الطاعة
إنّ قائد الجيش بأمره « تَقَدّمْ » مثلما يحرّك الجنديَ الواحد فإنه يحرّك الجيشَ بأكمله كذلك بالأمر نفسه. فحقيقةُ سر الطاعة هي أنّ لكل شيء في الكون -كما يشاهد بالتجربة- نقطةَ كمالٍ، وله ميل إليها، فتَضاعُفُ الميل يولّد الحاجةَ، وتضاعفُ الحاجة يتحول إلى شوقٍ، وتضاعفُ الشوق يكوّن الانجذاب، فالانجذاب والشوق والحاجة والميل.. كلُّها نوىً لامتثال الأوامر التكوينية الرّبانية وبذورُها من حيث ماهية الأشياء.
فالكمال المطلق لماهيات الممكنات هو الوجود المطلق، ولكن الكمالَ الخاص بها هو وجود خاص لها، يُخرِج كوامنَ استعداداتها الفطرية من طور القوة إلى طور الفعل. فإطاعة الكائنات لأمر «كُن» كإطاعةِ ذرةٍ واحدة التي هي بحكم جندي مطيع. وعند امتثال الممكنات وطاعتِها للأمر الأزلي «كُن» الصادر عن الإرادة الإلهية تندمج كليّا الميولُ والأشواقُ والحاجاتُ جميعها، وكلّ منها هو تجلٍّ من تجلّيات تلك الإرادة أيضا. حتى إن الماء الرقراق عندما يأخذ -بميل لطيف منه- أمرا بالانجماد، يُظهر سرَّ قوةِ الطاعة بتحطيمِها الحديد.
فإن كانت هذه الأمثلة الستة تظهر لنا في قوة الممكنات المخلوقات وفي فعلها وهي ناقصة ومتناهية وضعيفة وليست ذاتَ تأثير حقيقى، فينبغي إذن أن تتساوى جميعُ الأشياء أمام القدرة الإلهية المتجلّية بآثار عظمتها.. وهي غير متناهية وأزلية وهي التي أوجدتْ جميعَ الكائنات من العدم البحت وحيّرت العقول جميعها، فلا يصعب عليها شيء إذن.
ولا ننسى أنّ القدرة الإلهية العظمى لا توزَن بموازيننا الضعيفة الهزيلة هذه، ولا تتناسب معها، ولكنها تُذكَر تقريبا للأذهان وإزالةً للاستبعاد ليس إلَّا.
نتيجة الأساس الثالث وخلاصته: ما دامت القدرةُ الإلهية مطلقة غير متناهية، وهي لازمة ضرورية للذات الجليلة المقدسة، وأن جهةَ الملكوت لكل شيء تقابلها ومتوجهة إليها دون ستار ودون شائبة، وأنها متوازنة بالإمكان الاعتباري الذي هو تساوي الطرفين، وأن النظام الفطري الذي هو شريعةُ الفطرة الكبرى مطيع للفطرة وقوانين الله ونواميسه، وأن جهةَ
المثال السادس: الطاعة
إنّ قائد الجيش بأمره « تَقَدّمْ » مثلما يحرّك الجنديَ الواحد فإنه يحرّك الجيشَ بأكمله كذلك بالأمر نفسه. فحقيقةُ سر الطاعة هي أنّ لكل شيء في الكون -كما يشاهد بالتجربة- نقطةَ كمالٍ، وله ميل إليها، فتَضاعُفُ الميل يولّد الحاجةَ، وتضاعفُ الحاجة يتحول إلى شوقٍ، وتضاعفُ الشوق يكوّن الانجذاب، فالانجذاب والشوق والحاجة والميل.. كلُّها نوىً لامتثال الأوامر التكوينية الرّبانية وبذورُها من حيث ماهية الأشياء.
فالكمال المطلق لماهيات الممكنات هو الوجود المطلق، ولكن الكمالَ الخاص بها هو وجود خاص لها، يُخرِج كوامنَ استعداداتها الفطرية من طور القوة إلى طور الفعل. فإطاعة الكائنات لأمر «كُن» كإطاعةِ ذرةٍ واحدة التي هي بحكم جندي مطيع. وعند امتثال الممكنات وطاعتِها للأمر الأزلي «كُن» الصادر عن الإرادة الإلهية تندمج كليّا الميولُ والأشواقُ والحاجاتُ جميعها، وكلّ منها هو تجلٍّ من تجلّيات تلك الإرادة أيضا. حتى إن الماء الرقراق عندما يأخذ -بميل لطيف منه- أمرا بالانجماد، يُظهر سرَّ قوةِ الطاعة بتحطيمِها الحديد.
فإن كانت هذه الأمثلة الستة تظهر لنا في قوة الممكنات المخلوقات وفي فعلها وهي ناقصة ومتناهية وضعيفة وليست ذاتَ تأثير حقيقى، فينبغي إذن أن تتساوى جميعُ الأشياء أمام القدرة الإلهية المتجلّية بآثار عظمتها.. وهي غير متناهية وأزلية وهي التي أوجدتْ جميعَ الكائنات من العدم البحت وحيّرت العقول جميعها، فلا يصعب عليها شيء إذن.
ولا ننسى أنّ القدرة الإلهية العظمى لا توزَن بموازيننا الضعيفة الهزيلة هذه، ولا تتناسب معها، ولكنها تُذكَر تقريبا للأذهان وإزالةً للاستبعاد ليس إلَّا.
نتيجة الأساس الثالث وخلاصته: ما دامت القدرةُ الإلهية مطلقة غير متناهية، وهي لازمة ضرورية للذات الجليلة المقدسة، وأن جهةَ الملكوت لكل شيء تقابلها ومتوجهة إليها دون ستار ودون شائبة، وأنها متوازنة بالإمكان الاعتباري الذي هو تساوي الطرفين، وأن النظام الفطري الذي هو شريعةُ الفطرة الكبرى مطيع للفطرة وقوانين الله ونواميسه، وأن جهةَ
Yükleniyor...