وأما القياس العدلي الذي تشير إليه الآية الكريمة: ﹛﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَب۪يدِ ﴾|﹜ (فصلت:٤٦) فخلاصته: أننا نرى كثيرا في عالمنا، أن الظالمينَ والفجّار يقضون حياتَهم في رفاه وراحة تامة، أما المظلومون والمتدينون فيقضونها في شظفٍ من العيش بكل مشقة وإرهاق.. ومن ثم يأتي الموتُ فيحصد الاثنين معا دون تمييز، فلو لم تكن هناك نهاية مقصودة ومعينة لظهر الظلم إذن في المسألة؛ لذا فلابدّ من الاجتماع الأخروي بينهما حتى ينال الأولُ عقابَه وينال الثاني ثوابَه؛ إذ المنـزّه عن الظلم سبحانه وتعالى وهو العادل الحكيم، بشهادة الكائنات قاطبةً، لا يمكن بحال من الأحوال أن تقبل عدالتُه وحكمتُه هذا الظلم ولا يمكن أن ترضَيا به. فالنهايةُ المقصودة إذن حتميّـة؛ لأن رؤيةَ هذا الإنسان الكادح المنهوك جزاءه وثوابه -حسب استعداده- يجعله رمزا للعدالة المحضة ومدارا لها، ومظهرا للحكمة الربّانية، ومنسجما مع الموجودات الحكيمة في الكون وأخا كبيرا لها.

نعم، إنّ دارَ الدنيا القصيرة هذه لا تكفي -كما أنها ليست ظرفا- لإظهار ما لا يحدّ من الاستعدادات المندمجة في روح الإنسان وإثمارِها، فلابدّ أن يُرسَل هذا الإنسان إلى عالم آخر.. نعم، إنّ جوهر الإنسان عظيم، لذا فهو رمز للأبدية ومرشّح لها. وإنّ ماهيتَه عالية وراقية؛ لذا أصبحت جنايتُه عظيمة؛ فلا يشبه الكائنات الأخرى، وإن نظامَه دقيق ورائع، فلن تكونَ نهايتُه دون نظام، ولن يُهمَل ويذهب عبثا، ولن يُحكم عليه بالفناء المطلق ويهرب إلى العدم.

وإنما تفتح جهنمُ أفواهَها فاغرةً.. تنتظره..

والجنة تبسط ذراعيها لاحتضانه..

أوجزنا هنا حيث إن الحقيقة الثالثة من «الكلمة العاشرة» قد أوضحت هذه الحقيقة بجلاء.

وهكذا، أوردنا هاتين الآيتين مثالا، وعليك أن تقيس وتتتبع مثلها في سائر الآيات الكريمة التي تتضمن براهين عقلية لطيفة كثيرة.

فتلك عشرة كاملة من المنابع والمدارات التي تنتج حدسا صادقا وبرهانا قاطعا على الحشر. وكما أن الحدس الثابت والبرهان القوي دليل قطعي على حدوث القيامة والحشر الجسماني ويقتضيه، كذلك الأسماءُ الإلهية الحسنى: الحكيم، الرحيم، الحفيظ، العادل، وأغلب

Yükleniyor...