وهكذا فالدنيا -من حيث إنها دنيا- متوجهة نحو الفناء والزوال، وساعية سعيا حثيثا نحو الموت والخراب، ومتزلزلة متبدلة باستمرار. فهي عابرة راحلة كالماء الجاري في حقيقة أمرها. إلاّ أن الغفلة عن الله أظهرت ذلك الماء جامدا ثابتا، وبمفهوم «الطبيعة» الماديّ تعكّر صفوه وتلوّث نقاءَهُ، حتى غدت الدنيا ستارا كثيفا يحجُب الآخرةَ.
فالفلسفة السقيمة؛ بتدقيقاتها الفلسفية وتحرياتها، وبمفهوم الطبيعة المادي، وبمغريات المدنية السفيهة الفاتنة، وهوساتها وعربدتها.. كثّفت تلك الدنيا وزادتها صلابة وتجمدا، وعمّقت الغفلةَ في الإنسان، وضاعفت من لوثاتها وشوائبها حتى أنستْه الصانعَ الجليل والآخرةَ البهيجة.
أما القرآن الكريم، فإنه يهزّ هذه الدنيا -وتلك حقيقتها- هـزَّا عنيفا -من حيث إنها دنيا- حتى يجعلها كالعهن المنفوش، وذلك في قوله تعالى: ﴿ اَلْقَارِعَةُۙ ❀ مَا الْقَارِعَةُ ﴾ و ﴿ اِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ﴾ و ﴿ وَالطُّورِۙ ❀ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ ﴾ وأمثالها من الآيات الجليلة.
ثم إنه يمنح الدنيا شفافية وصفاءً رائقا مزيلا عنها الشوائب والأكدار، وذلك ببياناتها الرائعة في قوله تعالى: ﴿ اَوَلَمْ يَنْظُرُوا ف۪ي مَلَكُوتِ السَّمٰوَاتِ وَالْاَرْضِ ﴾ (الأعراف:١٨٥) ﴿ اَفَلَمْ يَنْظُرُٓوا اِلَى السَّمَٓاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا ﴾ (ق:٦) ﴿ اَوَلَمْ يَرَ الَّذ۪ينَ كَفَرُٓوا اَنَّ السَّمٰوَاتِ وَالْاَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا ﴾ (الأنبياء:٣٠) وأمثالها من الآيات الحكيمة.
ثم إنه يذيب تلك الدنيا الجامدة بنظر الغفلة عن الله بعباراته النورانية اللامعة في قوله تعالى: ﴿ اَللّٰهُ نُورُ السَّمٰوَاتِ وَالْاَرْضِ ﴾ ﴿ وَمَا الْحَيٰوةُ الدُّنْيَٓا اِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ﴾ وأمثالها من الآيات العظيمة.
ثم إنه يزيل توهم الأبدية والخلود في الدنيا بعباراته التي تنمّ عن زوال الدنيا وموتها في قوله تعالى: ﴿ اِذَا السَّمَٓاءُ انْفَطَرَتْ ﴾ ﴿ اِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْۙ ﴾ ﴿ اِذَا السَّمَٓاءُ انْشَقَّتْ ﴾
Yükleniyor...