فحظُّ فهم الطبقة الأولى من هذه الآية هو: أنّ زيدا(*) خادمَ الرسول ﷺ ومتبناه ومخاطبَه بـ: «يا بُني»، قد طلّق زوجتَه العزيزة بعدما أحسّ أنه ليس كفوا لها. فتزوجَها الرسول ﷺ بأمر الله تعالى. فالآية (النازلة بهذه المناسبة) تقول: إن النبي ﷺ إذا خاطبَكم مخاطبة الأب لابنه، فإنه يخاطبكم من حيث الرسالة، إذ هو ليس أبا لأحدٍ منكم باعتباره الشخصي حتى لا تليقَ به زوجاتُه.

وحظ فهم الطبقة الثانية هو أنّ الأمير العظيم ينظر إلى رعاياه نظرَ الأب الرحيم، فإن كان سلطانا روحانيا في الظاهر والباطن فإن رحمته ستفوق رحمةَ الأب وشفقتَه أضعافا مضاعفة. حتى تنظر إليه أفرادُ الرعية نظرَهم للأب وكأنهم أولادُه الحقيقيون. وحيث إن النظرة إلى الأب لا يمكن أن تنقلب إلى النظر إلى الزوج، والنظرَ إلى البنت لا يتحول بسهولة إلى النظر إلى الزوجة، فلا يوافق في فكر العامة تزوّج الرسول ﷺ ببنات المؤمنين استنادا إلى هذا السر. لذا فالقرآنُ يخاطبهم قائلا: إن الرسول ﷺ ينظر إليكم نظرَ الرحمة والشفقة من زاوية الرحمة الإلهية، ويعاملُكم معاملةَ الأب الحنون من حيث النبوة، ولكنه ليس أبا لكم من حيث الشخصية الإنسانية حتى لا يلائمَ تزوجَه من بناتكم ويحرُم عليه.

القسم الثالث يفهم الآية هكذا: ينبغي عليكم ألّا ترتكبوا السيئات والذنوب اعتمادا على رأفة الرسول الكريم ﷺ عليكم وانتسابكم إليه. إذ إن هناك الكثيرين يعتمدون على ساداتهم ومرشديهم فيتكاسلون عن العبادة والعمل، بل يقولون أحيانا: «قد أُدِيتْ صلاتُنا» (كما هو الحال لدى بعض الشيعة).

النكتة الرابعة: إنّ قسما آخر يفهم إشارة غيبية من الآية وهي أنّ أبناء الرسول ﷺ لا يبلغون مبلغَ الرجال، وإنما يتوفاهم الله قبل ذلك، فلا يدوم نسلُه من حيث كونهم رجالا، لحكمة يراها سبحانه وتعالى. إلّا أن لفظ «رجال» يشير إلى أنه سيدوم نسلُه من النساء دون الرجال. فللّه الحمد والمنة فإن النسل الطيب المبارك من فاطمة الزهراء رضي الله عنها كالحسن والحسين رضي الله عنهما وهما البدران المنوّران لسلسلتين نورانيتين، يديمان ذلك النسل المبارك (المادي والمعنوي) لشمس النبوة.

اللّهم صلِّ عليه وعلى آله.

(تمت الشعلة الأولى بأشعتها الثلاثة).


Yükleniyor...