تعبّر الآية عن أن فكرة عبادة البقر قد ذُبحتْ بسكين موسى عليه السلام، تلك الفكرة التي كانت رائجةً في مصر حتى إن لها أثرا مباشرا في حادثة العِجل. وبنبعان الماء من الحجر وتشقّق الصخور وسيلان الماء منها تبين الآية أن الطبقة الصخرية التي تحت التراب خزائنُ أوعية الماء تزوّد الترابَ بما يبعث فيه الحياة.

المثال الثاني: إنّ قصة موسى عليه السلام قد تكررت كثيرا في القرآن الكريم؛ إذ إن في كلِّ جملة منها، وفي كلِّ جزء منها إظهارا لطرفٍ من دستورٍ كلي، ويعبّر عن ذلك الدستور.

منها: الآية الكريمة: ﹛﴿ يَا هَامَانُ ابْنِ ل۪ي صَرْحًا ﴾|﹜ (غافر:٣٦) يأمر فرعون وزيرَه: ابنِ لي برجا عاليا لأطَّلِعَ على أحوال السماوات وأنظُرَ هل هناك إله يتصرف فيها كما يدّعيه موسى عليه السلام؟ فبكلمة ﹛﴿ صَرْحًا ﴾|﹜ تبين الآية الكريمة بحادثةٍ جزئية دستورا عجيبا وعُرفا غريبا كان جاريا في سلالة فراعنة مصر الذين ادّعوا الربوبيةَ لجحودهم بالخالق وإيمانهم بالطبيعة، وخلّدوا أسماءهم بجبروتهم وعُتوّهم، فشيّدوا الأهرام المشهورة كأنها جبال وسط صحراء لا جبال فيها، ليشتهروا بها، وحفظوا جنائزهم بالتحنيط واضعين إياها في تلك المقابر الشامخة، لاعتقادهم بتناسخ الأرواح والسحر.

ومنها: قوله تعالى: ﹛﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجّ۪يكَ بِبَدَنِكَ ﴾|﹜ (يونس:٩٢) والخطابُ موجه إلى فرعون الذي غرق، وفي الوقت نفسه تبين الآية ما كان للفراعنة من دستورٍ لحياتهم مذكِّرٍ بالموت مليء بالعبر، وهو نقلُ أجساد موتاهم بالتحنيط من الماضي إلى الأجيال المقبلة لعَرضها أمامَهم وفق اعتقادهم بتناسخ الأرواح. كما تفيد الآية الكريمة بأسلوب معجز إشارة غيبية إلى أن الجسد الذي اكتُشف في العصر الأخير هو نفسُه جسدُ فرعون الذي غرق، فكما ألقي به إلى الساحل في الموضع الذي غرق فيه، فسيُلقى به كذلك من بحر الزمان، فوقَ أمواج العصور، إلى ساحل هذا العصر.

ومنها: قوله تعالى: ﹛﴿ يُذَبِّحُونَ اَبْنَٓاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَٓاءَكُمْ ﴾|﹜ (البقرة:٤٩) فإنه بحادثة ذبح بنى إسرائيل واستحياء نسائهم وبناتِهم في عهد فرعون يبين الإبادةَ الجماعية التي يتعرض لها اليهودُ في أكثر البلدان وفي كل عصر، والدورُ المهم الذي تؤديه نساؤهم وبناتُهم في حياة السفاهة للبشرية وتحلل أخلاقها.


Yükleniyor...