فهل يليق للضياء الذي ملأ الدنيا نورا أن يعود لغير الشمس؟ وبيان القرآن الذي كشف لغزَ العالم ونوّره، نورَ مَن يكون غيرَ نور مَن خلق السماوات والأرض؟ فمن يجرؤ أن يقلّده ويأتي بنظيرٍ له؟

حقا، إن الصانع الذي زيّن بإبداع صنعتِه هذه الدنيا، محال ألّا يتكلم مع هذا الإنسان المبهور بصُنعهِ وإبداعه، فما دام أنه يفعل ويعلم فلابد أنه يتكلم، وما دام أنه يتكلّم فلا يليق بكلامه إلّا القرآن. فمالكُ الملك الــذي يهتم بتنظيم زهرة صغيرة كيف لا يبـــالي بكلام حوّل مُلكه إلى جذبة ذكر وتهليل؟ أيمكن أن يُنـزل من قدر هذا الكلام بنسبته إلى غيره؟.

اللمعة الخامسة

الجامعية الخارقة في أسلوبه وإيجازه:

في هذه اللمعة خمسة أضواء:

الضوء الأول: إنّ لأسلوب القرآن جامعية عجيبة، حتى إن سورةً واحدة تتضمن بحرَ القرآن العظيم الذي ضمّ الكون بين جوانحه. وإن آية واحدة تضم خزينة تلك السورة. وإن أكثر الآيات -كل منها- كسورة صغيرة، وأكثر السور -كل منها- كقرآن صغير. (12) فمن هذا الإيجاز المعجز ينشأ لطف عظيم للإرشاد وتسهيل واسع جميل. لأن كل إنسان على الرغم من حاجتـه إلى تلاوة القرآن كل وقت، فإنه قد لا يتاح له تلاوته، إما لغباوته وقصور فهمه أو لأسباب أخرى. فلكي لا يُحرَم أحد من القرآن فإن كل سورة في حُكم قرآن صغير، بل كلُّ آية طويلة في مقام سورة قصيرة، حتى إن أهل الكشف متفقون أن القرآن في الفاتحة والفاتحة في البسملة. أما البرهان على هذا فهو إجماعُ أهل التحقيق العلماء.

الضوء الثاني: إن الآيات القرآنية جامعة بدلالاتها وإشاراتها لأنواع الكلام والمعارف الحقيقية والحاجات البشرية كالأمر والنهي، والوعد والوعيد، الترغيب والترهيب، الزجر والإرشاد، القصص والأمثال، الأحكام والمعارف الإلهية، العلوم الكونية، وقوانين وشرائط

Yükleniyor...