الحياة الشخصية والحياة الاجتماعية والحياة القلبية والحياة المعنوية والحياة الأخروية. حتى يصدُق عليه المَثَل السائر بين أهل الحقيقة: «خُذ ما شئتَ لما شئت» بمعنى أن الآيات القرآنية فيها من الجامعية ما يمكن أن يكون دواءً لكل داء وغذاء لكل حاجة.

نعم، هكذا ينبغي أن يكون، لأن الرائد الكامل المطلق لجميع طبقات أهلِ الكمال الذين يقطعون المراتب دوما إلى الرقي -ذلك القرآن العظيم- لابد أن يكون مالكا لهذه الخاصية.

الضوء الثالث: الإيجازُ المعجز للقرآن. فقد يذكُر القرآنُ مبدأ سلسلةٍ طويلة ومنتهاها ذكرا لطيفا يُري السلسلةَ بكاملها، وقد يدرج في كلمةٍ واحدة براهينَ كثيرةً لدعوىً؛ صراحةً وإشارةً ورمزا وإيماءً.

فمثلا:

﹛﴿ وَمِنْ اٰيَاتِه۪ خَلْقُ السَّمٰوَاتِ وَالْاَرْضِ وَاخْتِلَافُ اَلْسِنَتِكُمْ وَاَلْوَانِكُمْ ﴾|﹜ (الروم:٢٢)


هذه الآية الكريمة تذكر مبدأ سلسلةِ خلقِ الكون ومنتهاها. وهي سلسلةُ آيات التوحيد ودلائله، ثم تبين السلسلةَ الثانية، جاعلة القارئ يقرأ السلسلة الأولى وذلك: أنّ أولى صحائف العالم الشاهدة على الصانع الحكيم هي خلقُ السماوات والأرض، ثم تزيين السماوات بالنجوم وإعمار الأرض بذوي الحياة، ثم تبدُّل المواسم بتسخير الشمس والقمر، ثم سلسلة الشؤون الربانية في اختلاف الليل والنهار وتعاقبهما.. وهكذا تدريجيا حتى تبلغ خصوصية الملامح والأصوات وامتيازها وتشخصاتها التي هي أكثر مواضع انتشار الكثرة.

فإذا ما وجد انتظام بديع حكيم محير للألباب، وتبينَ عملُ قلمِ صَنّاع حكيم في أكثر المواضع بُعدا عن الانتظام وأزيدها تعرضا للمصادفة ظاهرا، تلك هي ملامحُ وجوه الإنسان وألوانُه، فلابد أن الصحائف الأخرى الظاهر نظامُها تُفهم بنفسها وتدل على مصّورها البديع.

ثم إنه لما كان أثرُ الإبداع والحكمة يُشاهَد في أصل خلق السماوات والأرض التي جعلَها الصانعُ الحكيم الحجرَ الأساس للكون، فلابد أن نقشَ الحكمة وأثر الإبداع ظاهر جدا في سائر أجزاء الكون.

فهذه الآية حَوَت إيجازا لطيفا معجزا في إظهار الخفي وإضمار الظاهر فأوجزتْ


Yükleniyor...