كالأوتاد المغروزة في الأرض كما هو ظاهر أمام عينه، فيتأمل ما فيها من نِعم وفوائد، ويشكر خالقَه.

وحصة شاعر من هذا الكلام: أنه يتخيل أن الأرض سهل منبسط، وقبةَ السماء عبارة عن خيمة عظيمة خضراء ضربت عليه، وزُينت الخيمة بمصابيح، وأن الجبال تتراءى وهي تملأ دائرة الأفق، تمسّ قممُها أذيالَ السماء، وكأنها أوتاد تلك الخيمة العظيمة. فتغمره الحيرة والإعجاب ويقدس الصانع الجليل.

أما البدويّ البليغ فحصته من هذا الكلام أنه يتصور سطحَ الأرض كصحراء واسعة، وكأن سلاسل الجبال سلسلة ممتدة لخيَم كثيرة بأنواع شتى لمخلوقات متنوعة، حتى إن طبقة التراب عبارة عن غطاء ألقي على تلك الأوتاد المرتفعة فرفعتْها برؤوسها الحادة، جاعلةً منها مساكنَ مختلفة لأنواع شتى من المخلوقات.. هكذا يَفهم فيسجُد للفاطر الجليل سجدةَ حيرةٍ وإعجاب بجعله تلك المخلوقات العظيمة كأنها خيام ضربت على الأرض.

أما الجغرافي الأديب فحصته من هذا الكلام أنّ كرة الأرض عبارة عن سفينة تمخُر عبابَ بحر المحيط الهوائي أو الأثيري. وأن الجبال أوتاد دُقّت على تلك السفينة للتثبيت والموازنة.. هكذا يفكر الجغرافي ويقول أمام عظمة القدير ذي الكمال الذي جعل الكرة الأرضية الضخمة سفينة منتظمة وأركَبَنا فيها، لتجري بنا في آفاق العالم: «سبحانك ما أعظم شأنك».

أما المتخصص في أمور المجتمع والملمّ بمتطلبات الحضارة الحديثة فحصتهُ من هذا الكلام: أنه يفهم الأرض عبارة عن مسكن، وأن عماد حياة هذا المسكن هو حياةُ ذوي الحياة، وأن عماد تلك الحياة هو الماء والهواء والتراب، التي هي شرائط الحياة. وأن عماد هذه الثلاثة هو الجبال، لأن الجبال مخازنُ الماء، مشّاطةُ الهواء ومصفاته إذ ترسّب الغازات المضرة، وحاميةُ التراب إذ تحميه من استيلاء البحر والتوحل، وخزينة لسائر ما تقتضيه حياة الإنسان.. هكذا يفهم فيحمد ويقدّس ذلكم الصانع ذا الجلال والإكرام الذي جعل هذه الجبال العملاقة أوتادا ومخازنَ معايشِنا على الأرض التي هي مسكن حياتنا.

وحصة فيلسوف طبيعي من هذا الكلام: أنه يدرك أن الامتزاجات والانقلابات

Yükleniyor...