الهدى -الذي حرموا منه- بالمكيدة والخديعة فيصرفوهم عن سواء السبيل، حتى أطلقوا عليك اسم الكاهن أو المجنون أو الساحر، مع أنهم هم أنفسهم لا يصدّقون دعواهم فكيف بالآخرين؟ فلا تهتم بهؤلاء الكذابين الخداعين ولا تعتبرهم في زمرة الأناسي، بل امضِ في الدعوة إلى الله، لا يفترك شيء عنها، فأولئك لا يكيدونك بل يكيدون أنفسَهم، ويضرونَ بأنفسهم. وما نجاحُهم في الفساد والكيد إلّا أمر مؤقت زائل بل هو استدراج ومكر إلهي.

﹛﴿ اَمْ لَهُمْ اِلٰهٌ غَيْرُ اللّٰهِۜ سُبْحَانَ اللّٰهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾|﹜ أم إنهم يعارضونك ويستغنون عنك لأنهم يتوهمون إلها غير الله يستندون إليه كالمجوس الذين توهموا إلهين اثنين باسم خالق الخير وخالق الشر! أو كعبّاد الأسباب والأصنام الذين يمنحون نوعا من الألوهية للأسباب ويتصورونها موئل استناد؟ إذن فقد عميَت أبصارهُم، أفلا يرون هذا الانتظامُ الأكمل الظاهر كالنهار في هذا الكون العظيم ولا هذا الانسجامُ الأجمل فيه!..

فبمقتضى قوله تعالى: ﹛﴿ لَوْ كَانَ ف۪يهِمَٓا اٰلِهَةٌ اِلَّا اللّٰهُ لَفَسَدَتَاۚ  ﴾|﹜ (الأنبياء:٢٢) إذا ما حلّ مختاران في قرية، وواليان في ولاية وسلطانان في بلد، فالانتظامُ يختل حتما والانسجام يفسد نهائيا. والحال أن الانتظام الدقيق واضح بدءا من جناح البعوضة إلى قناديل السماء. فليس للشرك موضع ولو بمقدار جناح بعوض. فما دام هؤلاء يمرقون من نطاق العقل ويجافون الحكمة والمنطق ويقومون بأعمال منافية كليا للشعور والبداهة، فلا يصرفْك تكذيبُهم لك عن التذكير والإرشاد.

وهكذا فهذه الآيات التي هي سلسلة الحقائق، قد بيّنا بيانا مجملا جوهرةً واحدة منها فقط من مئات جواهرها، تلك الجوهرة التي تخص «الإلزام والإفحام». فلو كانت لي قدرة لأبيّن عدة جواهر أخرى منها لكنتَ تقول أيضا: إن هذه الآيات معجزة بحد ذاتها!

أما بيان القرآن في «الإفهام والتعليم» فهو خارق وذو لطافة وسلاسة، حتى إن أبسط شخص عامي يفهم بتلك البيانات أعظمَ حقيقة وأعمقَها بيسر وسهولة.

نعم، إن القرآن المبين يرشد إلى كثير من الحقائق الغامضة ويعلّم الناس إياها بأسلوب سهل وواضح وببيان شافٍ يراعي نظر العوام، من دون إيذاءٍ لشعور العامة ولا إرهاقٍ لفكر العوام ولا إزعاج له، فكما إذا ما حاور إنسان صبيا فإنه يستعمل تعابير خاصة به، كذلك


Yükleniyor...