الأساليب القرآنية والتي تسمى بـ «التنـزلات الإلهية إلى عقول البشر» خطاب ينـزل إلى مستوى مدارك المخاطَبين، حتى يفهّم أشد العوام أميّة، من الحقائق الغامضة والأسرار الربانية ما يعجز حكماء متبحرون عن بلوغها بفكرهم؛ وذلك بالتشبيهات والتمثيلات بصور متشابهات.

فمثلا: الآية الكريمة: ﹛﴿ اَلرَّحْمٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوٰى ﴾|﹜ (طه:٥) تبيّن الربوبية الإلهية وكيفية تدبيرها لشؤون العالم في صورة تمثيل وتشبيه لمرتبة الربوبية بالسلطان الذي يعتلي عرشَه ويدير أمرَ السلطنة.

نعم، لما كان القرآن كلاما لرب العالمين نزل من المرتبة العظمى لربوبيته الجليلة، مهيمنا على جميع المراتب الأخرى، مرشدا البالغين إلى تلك المراتب، مخترقا سبعين ألف حجاب، ملتفتا إليها ومنورا لها، وقد نشر نورَه على آلاف الطبقات من المخاطَبين المتباينين في الفهم والإدراك، ونثر فيضَه طوال عصور وقرون متفاوتة في الاستعدادات. وعلى الرغم من نشره لمعانيه بسهولة تامة في جميع الأنحاء والأزمان، احتفظ بحيويته ونداوته ونضارته ولم يفقد شيئا منها، بل ظل في منتهى الطراوة والجدة واللطافة سهلا ممتنعا، إذ مثلما يلقى دروسَه على أي عامي كان في غاية السهولة يلقيه على المختلفين في الفهم والمتباينين في الذكاء لكثير جدا من الطبقات المتفاوتة ويرشدهم إلى الصواب ويورثهم القناعة والاطمئنان.

ففي هذا الكتاب المبين أينما وجّهتَ نظرك يمكنك أن تشاهد لمعة إعجاز.

حاصل الكلام: كما أن لفظة قرآنية مثل: «الحمد لله» عندما تُتلى تملأ الكهف الذي هو بمثابة أذن الجبل، فإنها تملأ في الوقت نفسه ما يشبه الأُذَين الصغيرة جدا لبعوض، فتستقر اللفظةُ نفسُها فيهما معا. كذلك الأمر في معاني القرآن الكريم. إذ مثلما تُشبع عقولا جبارة، تعلّم عقولا صغيرة وبسيطة جدا، وتُطَمئنها بالكلمات نفسها. ذلك لأن القرآن يدعو جميع طبقات الجن والإنس إلى الإيمان ويعلّم جميعَهم علومَ الإيمان ويثبتها لهم جميعا، لذا يستمع إلى درس القرآن وإرشاده أغبى الأغبياء من عامة الناس مع أخص الخواص جنبا إلى جنب متكاتفين معا.

أي إن القرآن الكريم مائدة سماوية تجد فيها آلافٌ من مختلف طبقات الأفكار والعقول

Yükleniyor...