هذا المثال الذي سقناه يلحظ اللفظَ والمقصد.

المثال الثاني: قوله تعالى: ﹛﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾|﹜ (البقرة:٣)

فهيئات هذه الجملة تشير إلى خمسة شروط لقبول الصدقة:

الشرط الأول: المستفاد من «من» التبعيضية في لفظ ﹛﴿ مِمَّا ﴾|﹜ أي أن لا يبسطَ المتصدقُ يده كل البسط فيحتاج إلى الصدقة.

الشرط الثاني: المستفاد من لفظ ﹛﴿ رَزَقْنَاهُمْ ﴾|﹜ أي أن لا يأخذ من زيدٍ ويتصدق على عمرو، بل يجب أن يكون من مالِه، بمعنى: تصدقوا مما هو رزق لكم.

الشرط الثالث: المستفاد من لفظ «نا» في ﹛﴿ رزقنا ﴾|﹜ أي أن لا يَمُنّ فيستكثرَ، أي لا منّة لكم في التصدق، فأنا أرزقكم، وتنفقون من مالي على عبدي.

الشرط الرابع: المستفاد من ﹛﴿ يُنْفِقُونَ ﴾|﹜ أي أن ينفق على مَن يضعه في حاجاته الضرورية ونفقته، وإلّا فلا تكون الصدقةُ مقبولةً على مَن يصرفها في السفاهة.

الشرط الخامس: المستفاد من ﹛﴿ رَزَقْنَاهُمْ ﴾|﹜ أيضا. أي يكون التصدق باسم الله، أي المالُ مالي، فعليكم أن تنفقوه باسمي.

ومع هذه الشروط هناك تعميم في التصدق، إذ كما أن الصدقة تكون بالمال، تكون بالعلم أيضا، وبالقول والفعل والنصيحة كذلك، وتشير إلى هذه الأقسام كلمة «ما» التي في ﹛﴿ مِمَّا ﴾|﹜ بعموميتها. وتشير إليها في هذه الجملة بالذات، لأنها مطلقة تفيد العموم.

وهكذا تجُود هذه الجملةُ الوجيزة -التي تفيد الصدقة- إلى عقل الإنسان خمسةَ شروط للصدقة مع بيان ميدانها الواسع، وتُشعرها بهيئاتها.

وهكذا، فلهيئات الجمل القرآنية نُظم كثيرة أمثال هذه.

وكذا للكلمات القرآنية أيضا ميدان نَظم واسع مثل ذلك، كل تجاه الآخر. وكذا للكلام القرآني ولجُمله دوائر نظم كتلك.

Yükleniyor...