وتعظيمهم له، يقبل تلك الهديةَ المتواضعة جدا من ذلك الرجل المسكين كأنها أعظمُ هدية، وذلك بسبب تلك النية الخالصة منه، والرغبة الصادقة، واليقين الجازم الجميل السامي.

وهكذا، فالعبد العاجز عندما يقول في الصلاة: «التحيات لله» (23) ينوى بها: «إنني أرفع إليك يا إلهي باسمي هدايا العبودية لجميع المخلوقات، التي هي حياتها. فلو كنتُ أستطيع أن أقدم التحيات إليك يا ربي بعددهم لما أحجَمتُ ولا ترددت، فإنك أهل لذاك، بل أكثر. فهذه النية الصادقة والاعتقاد الجازم، هي الشكر الكلي الواسع».

ولنأخذ مثلا من النباتات حيث النوى والبذور فيها بمثابة نيّاتها. فالبطيخ مثلا يقول بما ينوى من آلاف النوى التي في جوفه: يا خالقي إنني على شوق ورغبة أن أعلن نقوشَ أسمائك الحسنى في أرجاء الأرض كلها. وحيث إن الله سبحانه وتعالى يعلم ما يحـدث وكيف يحدث، فإنه يقبل النية الصادقة كأنها عـبادةُ فعلية، أي كأنها حدثت. ومن هنا تعلم كيف أن نية المؤمن خير من عمله، وتفهم كذلك حكمةَ التسبيح بأعداد غير نهائية في مثل: «سبحانك وبحمدك عدد خلقك ورضاء نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك» (24) ونسبحك بجميع تسبيحات أنبيائك وأوليائك وملائكتك.

فكما أن الضابط المسؤول عن الجنود يقدّم أعمالَهم وإنجازاتِهم إلى السلطان باسمه، كذلك هذا الإنسان الذي هو ضابط على المخلوقات، وقائد للنباتات والحيوانات، ومؤهل ليكون خليفةً على موجودات الأرض، ويعدّ نفسَه مسـؤولا ووكيلا عمّا يحدث فـي عالمه الخاص.. يقول بلسان الجميع: ﹛﴿ اِيَّاكَ نَعْبُدُ وَاِيَّاكَ نَسْتَع۪ينُ ﴾|﹜ فيقدّم إلى المعبود ذي الجلال جميعَ عبادات الخلق واستعاناتهم.. ويجعل الموجودات قاطبة كذلك تتكلم باسمه وذلك عند قوله: «سبحانك بجميع تسبيحات جميع مخلوقاتك، وبألسنة جميع مصنوعاتك».

ثم إنه يصلى على النبي ﷺ باسم جميع الأشياء على الأرض: «اللهمَّ صلِّ على محمدٍ بعدد ذرات الكائنات ومركباتها».. إذ إن كل شيء في الوجود له علاقة مع النور المحمدي عليه الصلاة والسلام.

وهكذا افهم حكمةَ الأعداد غير النهائية في التسبيحات والصلوات .

Yükleniyor...