الأصل الحادي عشر

كما أنّ في القرآن الكريم آياتٍ متشابهاتٍ تحتاج إلى تأويل أو تطلب التسليمَ المطلق، كذلك في الحديث الشريف مشكلات تحتاج أحيانا إلى تفسير وتعبير دقيقين. ويمكنك الاكتفاء بالأمثلة المذكورة.

نعم، إن اليَقِظَ يستطيع أن يعبّر عن رؤيا النائم، بينما النائمُ الذي يسمع مَن حوله من اليقظين قد يطبق كلامَهم بشكل ما في منامه، فيعبّر عنه بما يلائمه في النوم.

فيا أيها المنوَّم بالغفلة والفلسفة المادية، ويا عديمَ الإنصاف! إنّ الذي يقول الله تعالى في حقه: ﹛﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغٰى ﴾|﹜ (النجم:١٧) والذي يقول عن نفسه «تنامُ عيناي ولا ينامُ قلبي» (21) هو اليقظان الحقيقي. فلا تُنكِر ما يراه هو، بل عَبّر عنه وجِدْ تعبيرا له في رؤياك، والتمس له تفسيرا. إذ لو لسعتْ بعوضة شخصا نائما، فإن آثار ذلك تظهر عليه وكأنه قد جُرح في الحرب. وإذا ما استُفسر عنه بعد صحوِه، فسيقول: نعم كنت في حرب دامية والمدافع مصوّبة نحوي! بينما اليقظون الذين حولَه يأخذون اضطرابه هذا مأخذَ الاستهزاء. فنظرُ الغفلة المنوِّمة وفكرُ الفلسفة المادية لا يمكن أن يكونا قطعا مَحَكَّا للحقائق النبوية.

الأصل الثاني عشر

إنّ نظر النبوة والتوحيد والإيمان يرى الحقائق في نور الألوهية والآخرة ووحدة الكون، لأنه متوجّه إليها. أما العلمُ التجريبي والفلسفة الحديثة فإنّه يرى الأمور من زاوية الأسباب المادية الكثيرة والطبيعة، لأنه مُتوَجّه إليها. فالمسافة إذن بين زاويتي النظر بعيدة جدا. فرُبّ غايةٍ عظيمةٍ جليلة لدى أهل الفلسفة تافهةٌ وصغيرة لا تكاد ترى بين مقاصد علماء أصول الدين وعلم الكلام. ولهذا فقد تقدم أهلُ العلم التجريبي كثيرا في معرفة خواص الموجودات وتفاصيلها وأوصافها الدقيقة، في حين تخلّفوا كثيرا حتى عن أبسط المؤمنين وأقلِّهم علما في مجال العلم الحقيقي وهو العلوم الإلهية السامية والمعارف الأخروية.

فالذين لا يدركون هذا السرّ، يظنون أنّ علماء الإسلام متأخرون عن علماء الطبيعة والفلاسفة. والحال أن من انحدرت عقولُهم إلى عيونهم وأصبحوا لا يفكرون إلّا بما يرون،

Yükleniyor...