الجواب: لأن الصحابة الكرام -رضي الله عنهم أجمعين- كانوا أكثرَ الناس تفكرا بالآخرة، وأرسخَهم يقينا بفناء الدنيا، وأوسعَهم فقها بحكمة إخفاءِ الله سبحانه لوقت القيامة، وذلك بفضل نور الصحبة النبوية وفيضها عليهم، لذا كانوا منتظرين أجَل الدنيا، متهيئين لموتها كمن ينتظر أجَله الشخصى، فسعوا لآخرتهم سعيا حثيثا.

ثم إن تكرار الرسول ﷺ «.. فانتظروا الساعة» (8) نابع من هذه الحكمة حكمة الإخفاء والإبهام وفيه إرشاد نبوي بليغ، وليس تعيينا لموعد الساعة بالوحي، حتى يُظن بُعده عن الحقيقة، إذ الحكمةُ شيء يختلف عن العلة. وهكذا فالأحاديث الشريفة التي هي من هذا القبيل نابعة من حكمة الإخفاء والإبهام.

وبناء على هذه الحكمة نفسِها، فقد انتظر الناسُ منذ زمن مديد، بل منذ زمن التابعين، ظهور المهدي والدجال السفياني، على أمل اللحاق بهم، حتى قال قسم من الأولياء الصالحين بفوات وقتهم!

فالحكمةُ في عدم تعيين أوقات ظهورهم هي الحكمة نفسُها في عدم تعيين يوم القيامة. وتتلخص بما يأتي: إن كل وقت وكل عصر بحاجة إلى «معنى» المهدي الذي يكون أساسا للقوة المعنوية، وخلاصا من اليأس. فيلزم أن يكون لكل عصر نصيب من هذا المعنى. وكذلك يجب أن يكون الناس في كل عصر متيقظين وحذرين من شخصيات شرّيرة تكون على رأس النفاق وتقود تيارا عظيما من الشر، وذلك لئلا يرتخي عِنانُ النفس بالتسيّب وعدم المبالاة. فلو كانت أوقات ظهور المهدي والدجال وأمثالِهما من الأشخاص معينةً لضاعت مصلحةُ الإرشاد والتوجيه.

أما سر الاختلاف في الروايات الواردة في حقهما فهو: أن الذين فَسّروا تلك الأحاديث الشريفة قد أدمجوا استنباطاتهم واجتهاداتهم الشخصية مع متن الحديث. كتفسيرهم أن وقائع المهدي وأحداث الدجال تقع حول الشام و البصرة و الكوفة حسب تصورهم؛ إذ كانت تلك المدن تقع حول مركز الخلافة يومئذ في المدينة المنورة والشام.

أو أنهم فَسروا تلك الأحاديث بأن الآثار العظيمة التي تمثّل الشخصيةَ المعنوية لأولئك


Yükleniyor...