إليها. فلا يحيِّرُك ضيقُ البرازخ ولا قيدُ القابليات ولا صغرُ المرايا، ولا يسوقك إلى خلاف الحقيقة شيء من ذلك، لأنك صافٍ وخالص تنظر إليها مباشرة، ولذلك فقد أدركت أن ما يشاهَد في المظاهر ويُرى في المرايا ليس شمسا، وإنما نوع من تجلياتها وضرب من انعكاساتها المتلونة. وأن تلك الانعكاسات إنما هي دلائل وعناوين لها فحسب، ولكن لا يمكنها أن تُظهر آثارَ هيبتها جميعا.

ففي هذا التمثيل الممتزج بالحقيقة يُسلَك إلى الكمال بطرق ثلاثة مختلفة متنوعة، فهم يتباينون في مزايا تلك الكمالات وفي تفاصيل مرتبة الشهود، إلّا أنهم يتفقون في النتيجة، وفي الإذعان للحق، وفي التصديق بالحقيقة.

هذا، فكما أن إنسانا ليليا لم يشاهِد الشمسَ أصلا، وإنما يرى ظلالَها في مرآة القمر، لا يمكنه أن يمكّن في عقله ويستوعب هيبةَ الضياء الخاص بالشمس وجاذبتها العظيمة، وإنما يقلد مَن رآها ويستسلم لهم؛ كذلك مَن لم يبلغ بالوراثة النبوية المرتبةَ العظمى لاسمَي «القدير» و«المحيي» وأمثالهما من الأسماء يرى الحشر الأعظم والقيامة الكبرى ويقبلها تقليدا، قائلا: إنها ليست مسألة عقلية. لأن حقيقة الحشر والقيامة مظاهر لتجلي الاسم الأعظم والمراتب العظمى لقسم من الأسماء. فمن لم يرقَ نظرُه إلى تلك المرتبة يضطر إلى التقليد. بينما مَن نفذ فكرُه إلى هناك يرى الحشر والقيامة سهلةً كسهولة تعاقب الليل والنهار والشتاء والصيف، فيرضى بها مطمئنّ القلب.

وهكذا فمن هذا السر، يذكر القرآنُ الكريم الحشرَ والقيامة في أعظم مرتبة وفي أكمل تفصيل، وهكذا يرشد إليهما الرسول الأعظم ﷺ الذي حظيَ بأنوار الاسم الأعظم. أما الأنبياءُ السابقون عليهم السلام فلم يبينوا الحشر في أعظم درجة وأوسع تفصيل بل بشيء من الإجمال، وذلك بمقتضى حكمة الإرشاد حيث كانت أممُهم على أحوال ابتدائية بسيطة.

ومن هذا السر أيضا لم يرَ قسم من الأولياء بعض أركان الإيمان في مرتبته العظمى أو عجزوا عن أن يبيّنوه هكذا.

ومن هذا السر أيضا تتفاوت كثيرا درجاتُ العارفين في معرفة الله.

وهكذا تنكشف من هذه الحقيقة أسرار كثيرة أمثال هذه.


Yükleniyor...