الآلام والخطايا التي ترسبتْ من لذّات غير مشروعة، وسوى الجروح والغصّات والآهات التي ترشحت من تلك السفاهات والسفالات..

وبينما أنا في هذه الحالة الكئيبة الحزينة البائسة إذ تمثّل أمامي رجل. فقال: «أنفقتَ جميع رأسمالك سدىً، وصرتَ مستحقا للعقاب، وستذهب إلى البلد الذي تريدُه خاويَ اليدين. فإن كنتَ فطنا وذا بصيرة فبابُ التوبة مفتوح لم يُغلق بعدُ. فبإمكانك أن تدّخر نصف ما تحصل عليه، مما بقي لك من الليرات الخمس عشرة لتشتري بعضا مما تحتاج إليه في ذلك المكان..» فاستشرتُ نفسي فإذا هي غير راضية بذلك، فقال الرجل: «فادّخر إذن ثُلُثَه». ولكن وجدتُ نفسي غير راضية بهذا أيضا. فقال: «فادّخر ربعَه». فرأيتُ نفسي لا تريد أن تَدَع العادةَ التي اُبتليتْ بها. فأدار الرجلُ رأسه وأدبر في حدّةٍ وغيظٍ ومضى في طريقه.

ثم رأيتُ كأن الأمور قد تغيّرت. فرأيت نفسي في قطار ينطلق منحدرا بسرعة فائقة في داخل نفق تحت الأرض، فاضطربت من دهشتي، ولكن لا مناص لي حيث لا يمكنني الذهابُ يمينا ولا شمالا. ومن الغريب أنه كانت تبدو على طرفَي القطار أزهار جميلة جذّابة وثمار لذيذة متنوعة فمددتُ يدي -كالأغبياء- نحوَها أحاول قطفَ أزهارها وأحصل على ثمراتها، إلّا أنها كانت بعيدةَ المنال، الأشواكُ فيها انغرزتْ في يدي بمجرد ملامستها فأدْمَتها وجرحَتها والقطارُ كان ماضيا بسرعة فائقة فآذيتُ نفسي من دون فائدة تعود عليّ. فقال أحد موظفي القطار: «أعطني خمسة قروش لأنتقيَ لك الكميةَ المناسبة التي تريدُها من تلك الأزهار والأثمار، فإنك تخسر بجروحك هذه أضعافَ أضعاف ما تحصل عليه بخمسة قروش فضلا عن أن هناك عقابا على صنيعك هذا، حيث إنك تقطفها من غير إذن.» فاشتدّ عليّ الكربُ في تلك الحالة فنظرتُ أتطلّع من النافذة إلى الأمام لأتعرّف إلى نهاية النفق، فرأيت أن هناك نوافذَ كثيرةً وثغورا عدة قد حلّت محلَّ نهاية النفق وأن مسافري القطار يُقذَفون خارجا من القطار إلى تلك الثغور والحفر، ورأيت أن ثغرا يقابلني أنا بالذات أقيمَ على طرفيه حجر أشبهُ ما يكونُ بشواهدِ القبر، فنظرت إليها بكل دقة وإمعان فرأيتُ أنه قد كُتب عليهما بحروفٍ كبيرة اسم «سعيد» فصرختُ من فرقي وحيرتي: يا ويلاه!! وآنذاك سمعتُ صوت ذلك الرجل الذي أطال عليّ النصحَ في باب الملهى وهو يقول: «هل استرجعتَ عقلك يا بني وأفقتَ من سكرتك؟» فقلت: «نعم ولكن بعد فوات الأوان، بعد أن خارتْ قواي ولم يبقَ لي

Yükleniyor...